في سياق الممارسات القمعية لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي زعيم الانقلاب العسكري وتوظيف المؤسسة الدينية لخدمة أجندته ومصالحه السياسية وأطماعه في الحكم، في إطار تديين السياسة، كشفت مصادر مطلعة بمشيخة الأزهر أن ثمة ضغوطًا تمارس على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لإعلان موقف داعم للتعديلات المرتقبة المشبوهة للدستور والتي تفضي إلى بقاء السيسي في الحكم مدى الحياة. وأضافت المصادر أن هذه الضغوط تستخدم أدوات الترغيب والترهيب الإعلامي والهجوم عليه لدفعه لإعلان موقف معبّر عنه شخصيًا ومعبّر عن المشيخة بشأن تعديل الدستور وزيادة فترات الرئاسة. وتابعت أن “الإمام الطيب يرفض ذلك، مفضّلاً النأي بالمشيخة عن الدخول في صراع سياسي، وترك الأمر للسياسيين، فهم أجدر بإبداء الآراء في ذلك”. هذه المصادر كشفت أن الطيب تلقى كثيرًا من الاتصالات بهذا الشأن من شخصيات عامة؛ حيث ربطت تلك الضغوط بالزيارة التي قام بها مؤخرًا المؤقت عدلي منصور للمشيخة من أجل التوسط بين الطيب والسيسي في أعقاب المبارزة الكلامية التي جرت بينهما خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حول حجية السنة النبوية في أواخر نوفمبر 2018م، والتي هاجم فيها الشيخ أولئك الذين يطعنون في مكانة السنة النبوية تحت دعاوى تجديد الخطاب الديني مؤكدًا أنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم؛ الأمر الذي استفز الطاغية العسكري ودخل في حرب كلامية مع الإمام الأكبر رغم أنه ليس متخصصًا سوى في العلوم العسكرية ولا يفقه شيئًا في أمور الفقه والدين. وزاد غضب الجنرال التأييد القوى الذي أبداه الدعاة لموقف شيخ الأزهر حتى بدا التوتر في العلاقة بينهما بعد انتهاء الحفل مباشرة بخلاف تقريب السيسي لوزير الأوقاف مختار جمعة الشهير بالوزير المخبر. وعلى الأرجح فإن أجهزة السيسي الأمنية سوف تضغط على المشيخة، إما بدعم هذه التعديلات المشبوهة وهو ما تتحفظ عليه المشيخة استنادا إلى موقفها بعدم التدخل في الشأن السياسي أو الإطاحة بنصوص استقلالية المشيخة في التعديلات المرتقبة؛ ما يضع المشيخة وهيئة كبار العلماء أمام اختبار قاس ومقارنة كلها خسائر 4 تحولات وتأتي هذه الضغوط في ظل “4” تحولات كبرى: الأول: انطلاق حملة تعديل الدستور في مارس المقبل بهدف زيادة مدة الطاغية في الدستور؛ حيث ينص الدستور في مادته 140 على أن “يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوماً على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يومًا على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة”. الثاني: أن هذه الضغوط تأتي في أعقاب إعلان البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة الأرثوذوكسية الأسبوع الماضي خلال حواره مع فضائية “تن”، دعمه لهذه التعديلات المشبوهة في توظيف سياسي فاضح للكنيسة في الأمور السياسية ما جعلها طرفا في الصراع السياسي منذ المشاركة القوية للكنيسة برعاياها في مظاهرات 30 يونيو ومشهد انقلاب 03 يوليو 2013م. الثالث: تجدد الصراع مؤخرا بين المشيخة والنظام حول قائمة الفتوى، في أعقاب إصدار المشيخة قائمة بمن يحق لهم الإفتاء خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت استبعاد المقربين والموالين من النظام الحالي. وتصدر قائمة المستبعدين من القائمة، أسامة الأزهري، مستشار الطاغية عبدالفتاح السيسي، و«خالد الجندي»، و«أحمد كريمة»، وهم من أبرز المؤيدين للانقلاب العسكري يوليو 2013. وفي محاولة لتجنب الصدام، أضاف المجلس الأعلى للإعلام (حكومي)، اسمَ «الأزهري» وشخصيات أخرى إلى القائمة النهائية للإفتاء من تلقاء نفسه، لعدم إحراج “السيسي” وإظهار أن الأزهر فرض كلمته على النظام الحالي. الرابع: في واصل النظام ضغوطه حيث أعلن أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان«عمر حمروش»، عن إعداده مشروع قانون جديد لتنظيم الأزهر، لتغيير قواعد اختيار أعضاء هيئات الأزهر، بدعوى أنها تضم شخصيات «إخوانية»، وذلك في أعقاب إعلان قائمة من لهم حق الفتوى مباشرة والتي تأتي كذلك في سياق الضغوط لجعل المشيخة أكثر انصياعا للنظام في إطار تديين ممارساته وسياساته القمعية وإضفاء مسحة مشروعية دينية عليها لإقناع الشعب بها. علاقة متوترة وتشهد العلاقة بين الطيب والسيسي توترا خلال المرحلة الأخيرة؛ في ظل ضغوط تمارس على المشيخة بدعاوى عدم قدرة الأزهر وهيئة كبار العلماء على القيام بمهمة تجديد الخطاب الديني التي يلح عليها الطاغية عبدالفتاح السيسي، بينما صرحت المشيخة في أكثر من مناسبة أن الأزمة ليست في الخطاب الديني بل في الخطاب السياسي والمظالم التي تتعرض لها البشرية وأن هذه المظالم هي السبب الرئيس لانتشار العنف والتطرف وليست النصوص الدينية. وبحسب خبراء ومحللين فإن السيسي يوظف دعاوى تجديد الخطاب الديني من أجل ابتزاز المشيخة والمؤسسة الدينية لجعلها اكثر انصياعًا لتوجهاته وهو ما نجح فيه مع الأوقاف ودار الإفتاء وبقيت المشيخة وهيئة كبار العلماء عصية في بعض المواقف لما تتمتع به من مسحة استقلال نص عليها الدستور؛ يسعى السيسي إلى إزاحتها في التعديلات المرتقبة حتى تكون المؤسسة الدينية أكثر انصياعًا واستسلامًا لتوجهاته وسياساته، خصوصًا في مسالتي استثمار أموال الوقف التي تقدر بأكثر من تريليون جنيه في غير ما اشترط الواقفون، ومسألة الطلاق الشفوي الذي يطالب السيسي بعدم وقوعه إلا بعد التوثيق في مخالفة صريحة لما استقر عليه الفقه الإسلامي منذ أيام النبوة الأولى.