صعَّدت الحكومة الإيطالية مؤخرا ضد نظام الانقلاب في مصر فيما يتعلق بملف مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بعدة إجراءات منها: أولا توجيه عريضة اتهام رسمي بحق 10 أشخاص بينهم 7 ضباط بعضهم بالأمن الوطني، واستبعدت أسماء سياسيين وقادة أمنيين بنظام الانقلاب من قائمة اتهام سابقة ضمت 26 شخصًا، وهي قائمة أُعدت بناءً على معلومات دقيقة جمعها الجانب الإيطالي من عدد من العواصمالغربية والعربية. والثاني يتعلق بتحديد مدى زمني قدره “6” شهور لمحاكمة المتهمين في القضية، والثالث، إعلان البرلمان الإيطالي تجميد علاقته ببرلمان الأجهزة الأمنية في مصر، والرابع هو التهديد باتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية تشمل مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات ضد حكومة الانقلاب. وبحسب مصادر بحكومة الانقلاب، فإن المفاوضات بين مصر وإيطاليا تتعلق بنقطتين هما عدد الأسماء الذين تضمّهم قائمة الاتهام الإيطالية، والإطار الزمني المخصص لبدء الإجراءات القضائية. وكانت وكالة “أنسا” الإيطالية نقلت عن مصادر قضائية إيطالية، الخميس الماضي، قولهم إن السلطات ستوجه قريبًا الاتهامات للائحة من الأسماء تضمّ ضباط شرطة وضباط في جهاز المخابرات المصرية، تمكنت الشرطة الإيطالية من تحديد مسؤوليتهم عن الجريمة. في المقابل، نقلت وكالة «الشرق اﻷوسط» الرسمية أمس الأحد، عن مصدر قضائي على صلة بالتحقيقات أن الجانب المصري رفض طلب نظيره الإيطالي بإدراج عدد من ضباط الشرطة على قائمة المتهمين.وبرر ذلك بأن القانون المصري لا يقر بوجود ما يُسمى ب«قائمة مشتبه بهم»، كما أن البت في اعتبار السند الإيطالي كافيًا للاشتباه في هذه الأسماء هو من اختصاص أجهزة الشرطة المصرية. كما طالبت الأجهزة الأمنية للانقلاب بالتحقيق في دخول ريجيني إلى مصر بتأشيرة سياحية وليس بتأشيرة مخصصة لإجراء أبحاث رسالة الدكتوراه، بحسب وكالة «الشرق الأوسط» للأنباء. وعُثر على جثمان الباحث الإيطالي ريجيني، 28 عامًا، خارج القاهرة في 3 فبراير 2016 بعد أسبوع من اختفائه في يوم ذكرى ثورة 25 يناير. وذكر تقرير الطب الشرعي المبدئي بعد فحص الجثة في روما أن ريجيني قد تعرّض للتعذيب على مدى عدة أيام، وأنه فارق الحياة بعد تعرضه لكسر فقرات عنقه. وقررت الحكومة الإيطالية سحب سفيرها في القاهرة للتشاور منذ أبريل 2016 احتجاجًا على ضعف تعاون الجانب المصري في التحقيقات، وفي يونيو من العام نفسه صوّت البرلمان الإيطالي على قرار بمنع تصدير قطع غيار مقاتلات «إف-16» إلى مصر للضغط على السلطات المصرية لإجراء تحقيقات أكثر شفافية فيما يخص مقتل ريجيني. ثم كانت عودة السفير الإيطالي لممارسة مهمام عمله في القاهرة، سبتمبر 2017. 3 عوامل قانونية وحول أسباب التصعيد الإيطالي الأخير فإن ثمة عدة عوامل تسهم في تفسير هذا التصعيد المفاجئ: الأول، يتعلق بعامل مهم أحدث التغيير المفاجئ، وهو إصرار النيابة العامة بحكومة الانقلاب على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة في مارس 2016 والتي راح ضحيتها 5 أبرياء ادعت الشرطة أنها هي التي اختطفت ريجيني بدافع السرقة وعذبته حتى الموت ووجدت الشرطة متعلقاته مع أفرادها، وهي الرواية التي اضطر النائب العام المصري لإعلان عدم معقوليتها تحت ضغط الإيطاليين منذ أكثر من عام. فالجانب المصري يعتبر أن هذه القضية “مختلفة” عن قضية ريجيني، ويريد فصل التحقيقات فيها عن التحقيق الأصلي الذي يتيح للإيطاليين الاطلاع عليه، وهو ما تراه روما أمراً غير منطقي، وتريد توجيه اتهام قتل ريجيني مباشرة للضباط الذين تورطوا في “تأليف” سيناريو عصابة السرقة، ليس بالضرورة لأنهم من أشرفوا على تعذيب وقتل ريجيني، ولكن لأنهم بالتأكيد يدركون كيف وصلت إليهم متعلقاته، وأين كانت هذه المتعلقات، والشخصيات التي أشعرت إليهم بمحاولة إنهاء القضية بهذه الصورة الساذجة التي لم يكتب لها النجاح. وهي القضية التي أصدر (النائب الخاص) للسيسي بحظر النشر فيها. أما العامل الثاني، فيتمثل في اتجاه النيابة العامة لحكومة الانقلاب في الاجتماع الأخير الذي تفجر بعده مسلسل الضغوط الإيطالية إلى تجاهل قصة عصابة السرقة، وحتى قصة تتبع خطوات ريجيني في الساعات السابقة على اختفائه، إذ كانت تريد فقط التركيز على ما إن كانت الدراسات التي أجراها ريجيني أدت به للتعامل مع “أجهزة أمنية أو استخباراتية أجنبية أو منظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج لممارسة أنشطة خارجة عن القانون المصري”، وهو المسار الذي اعتبره الجانب الإيطالي عودة إلى المربع الأول، ومحاولة جديدة للتضليل. أما العامل الثالث، فهو أن المدعي العام الإيطالي طلب من وزير الداخلية ورئيس مجلس النواب سرعة التصرف للضغط سياسياً على مصر، بعدما تبين أنه من المرجح الوصول لموعد الذكرى الثالثة لمقتل ريجيني دون تحقيق أي تقدم يذكر، الأمر الذي سيضع الادعاء الإيطالي في مأزق أمام الرأي العام، فضلاً عن التصعيد السياسي الذي تمارسه أحزاب المعارضة استغلالاً لحالة الجمود، لا سيما أن حكومة رئيس الوزراء، جوزيبي كونتي، لم تتخذ أي إجراء تنفيذي يشعر الإيطاليين باهتمامها بالقضية. بل إن تصريحات وزير الداخلية، ماتيو سالفيني، كانت تصب دائماً في خانة استحالة ممارسة ضغوط أكثر على مصر، وآخرها كان، الخميس الماضي، بقوله “نحن نحكم إيطاليا ولا نحكم مصر”. ابتزاز مستمر وعلى مسار التحليل السياسي، فثمة شكوك حول جدية الجانب الإيطالي في الكشف عن القتلة، ذلك أن روما تعلم على وجه اليقين أن نظام السيسي غير معني بالكشف عن المتورطين بل يتستر على القتلة بدافع حماية رجال عصابته، كما أن روما سحبت سفيرها من قبل وكانت عودته قائمة في جزء منها على منح تسهيلات ومزايا إضافية للشركة الإيطالية “إيني”، التي أصبحت تملك أيضاً نصيب الأسد من مصنع إسالة الغاز بدمياط والذي سيتم توجيه الغاز المستورد من إسرائيل له لإعادة بيعه واستهلاكه. فما الجديد الذي طرأ حتى تصعد إيطاليا في ملف ريجيني. على الأرجح فإن نتائج مؤتمر "باليرمو" حول ليبيا الذي عقد مؤخرا في إيطاليا، لم يرض طموحات روما ورأت أن السيسي لم يكن متجاوبا مع المطالب الإيطالية بما فيه الكفاية؛ لذلك حركت ورقة ريجيني للضغط على السيسي من أجل تقديم تنازلات في الملف الليبي والضط على حليفه حفتر من أجل التجاوب مع مخططات روما في ليبيا. العامل الثاني ربما يتعلق بالملف الاقتصادي، وسعي روما نحو الفوز بامتيازات جديدة في مصر لحساب شركة “‘إيني” الإيطالية عملاق الطاقة في العالم والتي تعزز وجودها في السنوات الأخيرة عبر عدة صفقات وامتيازات كانت سببا في تراجع أهمية قضية ريجيني. فصفقات الطاقة من جانب السيسي لحساب "إيني" اعتبرت بديلا مصريا عن تحقيقات جادة في القضية التي ستبقى معلقة؛ لأن روما وجدت فيها فرصة ذهبية توظفها سياسيا، وتبتز بها نظام العسكر كلما احتاجت لذلك لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية والإقليمية.