هناك 4 مؤشرات على تصعيد إيطالي جديد بشأن الضغوط التي تمارسها روما على سلطات الانقلاب في مصر؛ من أجل الكشف عن المتورطين في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، في فبراير 2016م، الذي عثر على جثته بإحدى صحاري مدينة 6 أكتوبر وعليها آثار تعذيب وحشي. وتسود العلاقات بين إيطاليا ونظام الانقلاب في مصر حالة من التوتر؛ على خلفية الجمود الذي أصاب مسار التحقيقات في قضية مقتل ريجيني، وأن ثمة مؤشرات تؤكد هذا التصعيد الجديد. أول هذه المؤشرات، أن الجنرال عبد الفتاح السيسي تلقى خلال لقائه، يوم الأربعاء الماضي، رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، في نيويورك، “أسئلة حاسمة” عن مصير التحقيقات، وضرورة أن تقدّم مصر معلومات محددة عن هوية القتلة، وعدم إهدار وقت المحققين الإيطاليين أكثر مما حصل على مدى عامين ونصف العام من التعاون القضائي المزعوم. المؤشر الثاني، أن السيسي استقبل منذ 10 أيام في القاهرة رئيس مجلس النواب الإيطالي، روبرتو فيكو، الذي قال لوسائل إعلام إيطالية: إنّه “هدّد السيسي بقطع العلاقات إذا لم تتضح حقيقة مقتل ريجيني”، معربًا عن امتعاضه من الأساليب المصرية الملتفة للتستّر على هوية القتلة، خصوصا وأنّ التسجيلات التي تمّ استرجاعها وتفريغها من بيانات كاميرات المراقبة المثبتة في محطة مترو الدقي في الجيزة، والتي كان يعوّل الإيطاليون عليها لبيان دقائق ريجيني الأخيرة قبل اختفائه، لم تظهر أي أثر له. لكن الأخطر على الإطلاق هو المؤشر الثالث، حيث تفتش روما خلف القيادات الأمنية التي تورطت في مقتل أفراد عصابة سرقة كانوا يركبون سيارة رمسيس، وتم قتلهم جميعا في مارس 2016 بحجة أنهم المتورطون في قتل ريجيني، وكشف وقتها بيان أمني عن متعلقات الباحث الإيطالي وصوره، حيث ترى روما أن القيادات الأمنية التي تورطت في قتل أفراد تلك العصابة هم المتورطون أساسا في قتل ريجيني، وأنهم نفذوا هذه الجريمة بقتل أفراد العصابة من أجل التغطية على تورطهم في قتل ريجيني. يعزز ذلك أن مصادر دبلوماسية وقضائية في حكومة الانقلاب كشفت عن أنّ المدعي العام الإيطالي أرسل، الأسبوع الماضي، خطابا للنائب العام بحكومة الانقلاب يطلب فيه تقريرًا أصليًا وافيًا عما أجرته النيابة المصرية في واقعة مقتل أفراد عصابة سرقة على يد الشرطة، وادعاء أنهم وراء مقتل ريجيني. وهو السيناريو الذي اضطر النائب العام المصري لنفيه العام الماضي، حيث أشار مدعي عام روما أنّ هناك أدلّة دامغة على تورّط قتلة أفراد العصابة في قتل ريجيني أو التستر عليه قبل ذلك. وأوضحت المصادر أنّ هذا الخطاب يعدّ الأول من نوعه بصفة رسمية، إذ لم يسبق أن طلب الإيطاليون التحقيق في هذه الواقعة باعتبارها خارجة عن الإطار العام للقضية. لكن إزاء حالة الجمود الآنية وفشل استرجاع البيانات، لم يعد أمام روما إلا محاولة حصار سلطات الانقلاب للتوصّل إلى دوافع محاولة إسناد الاتهام لمجموعة من الأشخاص، بل وإظهار مقتنيات ريجيني في منزل أحدهم كدليل على تورطهم. وأضافت المصادر أنّ مساعدي النائب العام المصري كانوا قد أبلغوا روما بأنه يجري التحقيق في شبهة صلة العصابة بقتل ريجيني لحساب جهاز أو مسئول أمني بعد إخضاعه للمراقبة بناء على بلاغ نقيب البائعين الجائلين، وتعذيبه احترافيا لأيام، بهدف إبعاد الشبهة عن الشرطة، ولم يكن الأمر يخرج عن هذا الإطار. وأعلنت النيابة سلفا عن أنّ التحقيقات أثبتت كذب الرواية الأمنية التي روجتها الداخلية المصرية في مارس/آذار 2016، عن مسئولية عصابة من 5 أفراد من ذوي السوابق الجنائية، عن قتل ريجيني بدافع السرقة. كما أجريت مواجهة مع ضباط الشرطة الذين ارتكبوا جريمة تصفية هؤلاء الخمسة وبعض عناصر الأمن الوطني والأمن العام، لكن النائب العام المصري لم يرفع حظر النشر الذي فرضه على القضية منذ ظهور تلك الرواية، ولم يتم تقديم المسئولين الأمنيين قاتلي أفراد العصابة للمحاكمة. رابعا، لا تزال حكومة الانقلاب ترفض إرسال أي مسئولين أمنيين للتحقيق معهم في روما، لكنها أرسلت تقارير مترجمة من التحقيقات التي أجراها فريق التحقيق المصري المختصّ مع رجال الأمن بمحطة المترو، وجميعهم من أمناء وأفراد الشرطة، وتمّت ترجمة الأوراق بواسطة مترجمين معتمدين لدى الجهتين. في المقابل، لم تسلّم إيطاليا للنيابة المصرية تفاصيل التحقيقات التي أجرتها مع الأكاديمية المصرية مها عبد الرحمن، الأستاذة في جامعة كامبريدج والمشرفة العلمية على ريجيني، في مقر الجامعة وليس في إيطاليا، وكذلك تفاصيل الاتصالات التي جرت مع بعض الأكاديميين الذين أشرفوا على عمل ريجيني في القاهرة. المصالح غلّابة أحد المصادر الدبلوماسية بحسب صحيفة “العربي الجديد”، يؤكد أن حكومة كونتي تتعرّض لضغوط سياسية داخلية، وتحاول الضغط حاليا على القاهرة، لكنه استبعد إقدامها على سحب سفيرها من مصر أو تعليق العلاقات على المدى القريب، لا سيما وأنها تحتاج إلى مساندة نظام الديكتاتور السيسي في إنجاح المؤتمر المقرر إقامته في صقلية بشأن ليبيا، والذي كان محور محادثات كونتي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيرا في نيويورك. وإذا كانت روما لا تريد التصعيد مع النظام المصري، فإنها بذلك تمارس ابتزازا بقضية ريجيني من أجل الضغط على النظام العسكري في مصر من أجل التجاوب مع المصالح الإيطالية في ليبيا.