عمرو أديب: التجاوزات طبيعية في الانتخابات بمصر.. والداخلية تتعامل معها فورا    البيان الختامي لعملية التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. المرحلة الثانية    إغلاق صناديق الإقتراع فى اليوم الأول لانتخابات مجلس النواب 2025 بكفر الشيخ    أمريكا: قلق في مجتمع الصوماليين فى مينيسوتا بعد تهديد ترامب بإنهاء وضع الحماية المؤقتة    العدل الأمريكية تطلب من قاض السماح بنشر المواد الخاصة بهيئة المحلفين الكبرى في قضية إبستين    الدعم السريع: مستعدين للإتفاق مع كل القوى الوطنية السودانية ماعدا«الإخوان»    وكيل توفيق محمد يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي وموعد تحديد مصيره    موعد مباريات اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025| إنفوجراف    إصابة سيدة بطلق ناري على يد طليقها في المنيا.. ما القصة؟    كلب "بيتبول" يثير الذعر في حدائق الأهرام.. وأحد السكان يحرر محضرًا.. شاهد    مفتي الجمهورية: التعليم الصحيح يعزز الوازع الديني ويصون المجتمع من التطرف    محمد سلامة: الاتحاد سيتظلم على قرارات اتحاد السلة بشأن نهائي المرتبط    "برشلونة أكثر ناد يدمر نفسه".. أثلتيك تكشف كواليس تقليص دور المعد البدني    كاراجر ينتقد صلاح: لا يتحدث إلا عند حاجته لعقد جديد    إطلاق أكبر شراكة تعليمية بين مصر وإيطاليا تضم 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية.. غدًا    أيمن العشري: المُنتدى المصري الصيني خطوة مهمة وجديدة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري المشترك    النيابة العامة تصدر بيانًا بشأن واقعة "سيدز الدولية" وتعلن حبس المتهمين وفحص الأدلة    تفاصيل التحقيقات بواقعة تعرض أطفال لخطف وهتك العرض بالسلام    كاراجر ينتقد صمت محمد صلاح ويطالبه بالظهور أمام الإعلام وسط أزمة ليفربول    إذاعة القرآن الكريم تُحيي الذكرى ال 45 لرحيل الشيخ الحصري    مراسل الحكاية: المنافسة قوية بين 289 مرشحاً على 38 مقعداً في انتخابات النواب    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    ارتفاع حالات التهابات الجهاز التنفسي العلوي.. اللجنة العلمية لكورونا تحذر: اتخذوا الاحتياطات دون هلع    «الخناقات» تؤخر انطلاق نهائي مرتبط السلة بين الأهلي والاتحاد    المؤبد لشخصين والسجن 5 سنوات لآخر لاتهامهم بإحراز سلاح دون ترخيص بسوهاج    إلهام شاهين تشارك في افتتاح الدورة العاشرة لمهرجان مسرح الشباب    محمد إمام عن مشاركته مع حنان مطاوع في الكنيج رمضان 2025: مستمتع بكل لحظة قدّامها    بعد قليل.. مؤتمر صحفي ل«الوطنية للانتخابات» لعرض مستجدات اليوم الأول للتصويت    وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج "دولة التلاوة"    انتشار أمنى مكثف بعد أحداث حمص.. ودمشق تنفى الطابع الطائفى لجريمة مقتل زوجين    مستشار الرئيس للصحة: مصر خالية من أى فيروسات جديدة (فيديو)    إقبال كبير علي اللجان الانتخابية خلال الفترة المسائية بدمياط    مفتي الجمهورية: الإسلام دين سلام وعدل وأفعال المتطرفين لا تمتُّ إليه بصلة    السجن مدى الحياة لداعمى التنظيم فى الولايات المتحدة بعد قرار ترامب المرتقب    هل يجوز طلب الطلاق من زوج لا يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح!    رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    ارتفاع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 24 نوفمبر 2025    غرفة العمليات المركزية لحزب الإصلاح والنهضة تتابع التصويت بانتخابات مجلس النواب    أحمد المسلماني يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    محمد مسعود إدريس من قرطاج المسرحى: المسرح فى صلب كل الأحداث فى تونس    ننشر قرار زيادة بدل الغذاء والإعاشة لهؤلاء بدايةً من ديسمبر    يسرا ودرة يرقصان على "اللي حبيته ازاني" لحنان أحمد ب "الست لما"    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فاجتهد ان تكون باب سرور 000!؟    استقبال 64 طلبًا من المواطنين بالعجوزة عقب الإعلان عن منظومة إحلال واستبدال التوك توك بالمركبات الجديدة    الاتحاد السعودي يواجه الدحيل القطري في قمة آسيوية حاسمة بدوري أبطال آسيا 2025    الداخلية تواصل عقد لقاءات مع طلبة المدارس والجامعات للتوعية بمخاطر تعاطى المواد المخدرة    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بمنتصف التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية    إندونيسيا: إصابة 3 أشخاص ونزوح أكثر من 500 شخص جراء ثوران بركان سيميرو    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل 26 ألف مواطن خلال شهر نوفمبر الجاري    سقوط عصابة سرقة أبراج الكهرباء بأسيوط.. وضبط تاجر الخردة المسروقة فى سوهاج    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    البرهان يهاجم المبعوث الأمريكي ويصفه ب"العقبة أمام السلام في السودان"    وزير الصحة يستعرض المنصة الرقمية الموحدة لإدارة المبادرات الرئاسية ودمجها مع «التأمين الشامل»    الرعاية الصحية بجنوب سيناء تتابع خطة التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب    "لمسة حب .. تترك أثر" المعرض السنوى لكلية الصيدلة بجامعة حلوان    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطار التطبيع السريع والخليج

التطبيع مصطلح دخل على أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي، عقب عقد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في العام 1979، والتي ترتب عليها الاعتراف بدولة العدو الإسرائيلي، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، ليرتفع علم إسرائيل على مقر سفارتها في القاهرة. وتضمنت الاتفاقية تفاهمات أمنية واقتصادية وسياحية. وبقي ذلك كله على المستوى الرسمي في إطار اتفاق السلام التعاقدي الموقع بين الحكومتين، بينما بقيت قوى المجتمع المدني ومؤسساته الثقافية، والاقتصادية، والمجتمعية، والنقابية، بمنأىً عن ذلك التطبيع، وما زالت على موقفها، بعد مرور قرابة أربعين عامًا على توقيع اتفاقية السلام. تكرّر الموقف بعد ذلك بأشكال مختلفة بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، بعد توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، ثم ما بين المملكة الأردنية والعدو الإسرائيلي بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما في العام 1994.
وفي مطلع العام 2011، هبت على المنطقة رياح ثورات الربيع العربي، ورأت فيها إسرائيل خطرًا حقيقيًا على كيانها في حالة نجاحها، لما كانت ترفعه من شعارات الحرية، والديمقراطية، وفرض السيادة الشعبية. آثرت إسرائيل الصمت، ومراقبة الموقف، في انتظار تفجر الصراع المحتمل بين تيارات ثورات الربيع العربي، بشعاراتها البرّاقة ذات الطابع الرومانسي، وسقف طموحاتها الذي تجاوز بكثير قدراتها المادية على أرض الواقع، وقوى الثورات المضادة، المتمثلة في مؤسسات الدولة العميقة الراسخة بكل مصالحها، ومصالح القوى الأجنبية المتحالفة.
معها، سواء الإقليمية أو الدولية، تداعت الأمور بشكل دراماتيكي سريع، حيث تكسّرت رياح ثورات الربيع العربي على صخور الثورات المضادّة. وتصاعدت نغمة الحرب على الإرهاب، مع ظهور تنظيم داعش المفاجئ في العراق وسوريا، وإعلانه قيام "الدولة الإسلامية". واختلط الحابل بالنابل، وحدث الخلط المتعمد بين التنظيمات الإرهابية التي ترفع راية الجهاد وتيارات الإسلام السياسي المعتدلة، بتنظيماتها المختلفة. وسادت المنطقة العربية حالة من الاضطراب الشديد، على وقع الحروب والاقتتال على مختلف المستويات. وفي مناطق متعدّدة، فى العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر في شبه جزيرة سيناء. واشتعلت الأزمات الإقليمية، لعل أشدها أزمة الخليج بين رباعي السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهةٍ أخرى، ومشكلات ثنائية، مثل مشكلة سد النهضة وما قد يترتب عليه من آثار سلبية على حصة مصر من مياه النيل، ومشكلة حلايب وشلاتين على الحدود بين مصر والسودان.
في وسط كل تلك الأجواء المضطربة، ظهرت على السطح فجأة مشكلة لم تكن فى حسبان أحد، وهى جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، البشعة، في قنصلية بلده في إسطنبول، وما يحيط بكل الجريمة من ملابساتٍ غامضة، ولاحقا اعترفت السلطات السعودية بقتل خاشقجي داخل القنصلية بعد استدراجه إليها، وأعلنت عمّن ارتكبوا الجريمة، وأنها احتجزتهم رهن التحقيقات. والمهم هنا ما كشفه هذا الحادث من عمق الأزمة التى تعيشها بعض النظم العربية في المنطقة، وما تعانيه الشعوب من انتهاكٍ بشعٍ لحقوق الإنسان.
كشفت كل تلك الظروف مدى ضعف النظم العربية وتهافتها، وافتقادها الظهير الشعبي الحقيقي الذي يُكسبها الشرعية. وبالتالي، حاجتها الماسّة للدعم الخارجي، وبالتحديد الدعم الأميركي، وهذا ما أدركته إسرائيل مبكراً، وأبدت استعدادها لتقديم خدماتها للنظم العربية في هذا الشأن. وبدأت تحرّكها في تنسيق تام مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأركانها المؤيدة للصهيونية، وكان الثمن واضحاً، فبينما يركز ترامب على سلب الأموال العربية، اتجهت إسرائيل إلى السعي إلى تكريس وجودها، والقبول بها واحدةً من دول الإقليم، وإنهاء فكرة العداء التاريخي، والصراع العربي الإسرائيلي. وبدأ يظهر الحديث عن السلام الدافئ، وعن الجار الإسرائيلي، وعن العدو المشترك للعرب وإسرائيل وهو "الشرير" الإيراني، وأن التعاون مع إسرائيل "المتقدمة" سيعود بالنفع على العرب. أما القضية الفلسطينية فالأمر بسيط، الفلسطينيون في الضفة الغربية يعيشون في سلام وحكم ذاتي، ويمكن لهم أن يرتبطوا بالأردن، كما كان الحال قبل ذلك. والفلسطينيون فى قطاع غزة أيضا يعيشون في سلام في ظل هدنة طويلة الأجل، وفك الحصار. ويمكن لهم إقامة علاقات جيدة مع مصر، أما القدس فهي عاصمة أبدية لإسرائيل، ولكن للمسلمين الحق فى زيارة المسجد الأقصى والصلاة، أليس هذا ما يريدونه؟ وتنتهي مشكلة اللاجئين وحقهم في العودة، فمن يرد العودة فليعد إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة.
ولأنها تعلمت الدرس جيدا، فإن إسرائيل تدرك أن أي اتفاقاتٍ مع نُظم الحكم، والحكام، ستبقى رهنا ببقاء تلك النُظم، وأولئك الحكام، بينما الشعوب تبقى على عدائها للكيان الصهيوني المُحتل، فقد اتجهت إلى محاولة مخاطبة الشعوب مباشرة، بإعادة تجربة "التطبيع". واختارت هذه المرة الوسيلة الأكثر تأثيرا لدى الشعوب، الرياضة والتلقائية. ففي وسط كل ما تعيشه المنطقة من أجواء مضطربة، وخصوصا في منطقة الخليج والعربية السعودية، أعدت إسرائيل قطارا سريعا للتطبيع اتجه مباشرة إلى قلب الخليج، واختار محطاته بعناية، توقف في محطة أبو ظبي، لتهبط منه بعثة رياضية ترأسها وزيرة الثقافة والشباب، للمشاركة في بطولة دولية للعبة الجودو تحت العلم الإسرائيلي. ووقفت الوزيرة تذرف الدموع في أثناء رفع العلم الإسرائيلي، وعزف النشيد الوطني عند تسلم أحد اللاعبين ميدالية الفوز. ثم كان المشهد الثاني، والوزيرة تزور أكبر مساجد أبو ظبي والمنطقة، مسجد الشيخ زايد، ومعها مرافقوها من حكومة الإمارات. ووقفت في ساحة المسجد تشيد به، وتقول إنه ثالث أكبر مسجد بعد الحرمين الشريفين، فتتجاهل بذلك المسجد الأقصى ثالث الحرمين. وينتقل قطار التطبيع السريع إلى الدوحة، أو دوحة المضيوم كما يحلو لأهلها تسميتها، لتهبط منه بعثة رياضية أخرى، بملابسها وأعلامها وأناشيدها الإسرائيلية، للمشاركة في بطولة لعبة الجمباز، وتمضي أياما في الدوحة.
لم تنته رحلة قطار التطبيع السريع، قبل أن تُقدم لنا مفاجأة، حيث يصل القطار إلى عاصمة عربية خليجية أخرى، حاملا هذه المرة رأس الحية نفسها، رئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو وزوجته، ومعه وفد أمنى رفيع المستوى، يضم رئيس المخابرات العامة ومستشار الأمن القومى، ويستقبله السلطان قابوس لإجراء المباحثات الرسمية. ويصرّح وزير الخارجية العماني بأنه لا يوجد ما يمنع من زيارة السيد نتنياهو مسقط، فهو رئيس وزراء دولة إسرائيل، إحدى دول الشرق الأوسط. ثم يتصل نتنياهو بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، طالبا منه عدم اتخاذ إجراءات حادّة ضد السعودية، وولي العهد محمد بن سلمان، فيما يتعلق بجريمة قتل جمال خاشقجي، لأن السعودية شريك مهم في التصدّي لإيران.
لن ينجح المخطط الصهيوني في تسويق التطبيع هذه المرة منطلقا من الخليج الذي هو الآن مركز الثقل العربي، ولن تبتلع الشعوب العربية الطُّعم، وستبقى على صلابتها.
======
نقلا عن “العربي الجديد”
المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.