جاءت عودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود إلى الرياض فجر أمس الثلاثاء بشكل مفاجئ بضمانات أمريكية وأوروبية، ليضفي قدرا من الإثارة والغموض على المشهد السعودي؛ ذلك أن الأمير العائد والذي كان مقيما في لندن، اشتهر بانتقاداته الحادة أحيانا للعاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان. وقبل قضية خاشقجي كانت معارضة الأمير أحمد لابن أخيه معروفة للجميع، حيث عارضه علانية في ثلاث مناسبات. الأولى في صيف 2017 عندما كان شقيق الملك أحد ثلاثة أعضاء في مجلس البيعة، وهي هيئة من كبار العائلة المالكة مكلفين باختيار الخلافة، لمعارضة تعيين بن سلمان وليا للعهد. وأشار إلى أن الأمير أحمد لم يعط بيعة الولاء لابن أخيه عندما عيّن وريثا للملك سلمان. والمناسبة الثانية عندما توفي عبد الرحمن بن عبد العزيز أخو الأمير أحمد والملك سلمان العام الماضي، حيث لم تعلق سوى صورتين فقط في حفل الاستقبال الذي أقامه الأمير أحمد وكانتا للملك عبد العزيز والملك الحالي. وكانت صورة ولي العهد مفقودة بشكل ملحوظ. والمناسبة الثالثة كانت الشهر الماضي عندما دنا الأمير أحمد من محتجين يمنيين وبحرينيين خارج منزله في لندن الذين كانوا يصمون آل سعود بأنهم عائلة مجرمين، وقال لهم وقتها إن العائلة برمتها لا تتحمل مسؤولية الحرب في اليمن، بل يتحملها الملك وولي العهد. ووجه الأمير أحمد كلامه باللغة العربية للمحتجين قائلا : “هما مسؤولان عن الجرائم في اليمن. وانهم أخبروا محمد بن سلمان أن يوقف الحرب”. فلماذا هذه العودة في ظل هذه الأوضاع والحصار الذي تواجهه الرياض في أعقاب تورط ولي العهد وحراسه الأمنين في اختطاف واغتيال الصحفي جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية بإسطنبول أول أكتوبر الجاري؟ وما الهدف منها؟ وهل تمثل ترتيبا في أعلى هرم السلطة السعودية مدعوما من القوى الدولية التي أرسلت الأمير أحمد يستهدف الإطاحة بولي العهد أم هو تعبير عن تماسك الأسرة الحاكمة وخوفا من تفككها والذي يخشى جميع أمراء آل سعود من عواقبه وانعكاساته؟
ترتيبات جديدة يرى الكاتب الصحفي والمحلل ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ان عودة الأخ الأصغر للملك سلمان الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى السعودية بعد غياب طويل في لندن تصعيد لتحدي ولي العهد محمد بن سلمان أو إيجاد شخص يستطيع ذلك. وقال هيرست إن الأمير السبعيني، أحد النقاد العلنيين لمحمد بن سلمان، سافر بضمانات أمنية من مسؤولين أميركيين وبريطانيين. وأشار إلى ما قاله مصدر سعودي مقرب من الأمير أحمد للموقع “بأنه وآخرون من الأسرة قد أدركوا أن بن سلمان قد أصبح ساما”. وأضاف المصدر أن “الأمير يريد أن يقوم بدور لإحداث هذه التغييرات، مما يعني إما أنه هو نفسه سيلعب دورا رئيسيا في أي ترتيب جديد وإما أنه سيساعد في اختيار بديل لمحمد بن سلمان”. وأشار الى إن الأمير عاد “بعد مناقشات مع مسؤولين أميركيين وبريطانيين”، أكدوا له أنهم لن يسمحوا بأن يمسه أذى، وشجعوه على القيام بدور مغتصب السلطة. وعلق هيرست على ذلك بأن الأمير أحمد محمي بحكم منزلته في العائلة المالكة بغض النظر عن الضمانات الغربية. وقال الموقع إن الأمير أحمد عقد لقاءات خلال وجوده في لندن مع أعضاء آخرين في الأسرة الحاكمة السعودية الذين يعيشون حاليا خارج المملكة، وأنه استشار شخصيات داخل المملكة لديهم مخاوف مماثلة، وشجعوه على اغتصاب السلطة من ابن أخيه. وأشار الموقع إلى وجود ثلاثة أمراء كبار يؤيدون تحرك الأمير أحمد لا يمكن تسميتهم خشية تعرض أمنهم للخطر، وجميعهم في مناصب عليا بالجيش وقوات الأمن. وأضاف أن عودة الأمير أحمد ستزيد الضغط على بن سلمان الواقع في قلب المواجهة بين السعودية وتركيا بعد مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول. وألمح هيرست إلى أن الأمير أحمد لديه دعم من شخصيات هامة في الأسرة الحاكمة الذين يعتقدون أن ولي العهد بعد قضية خاشقجي أصبح موصوما في الغرب إلى الأبد وأنه سام لسمعة العائلة ككل. مصير أحمد شفيق! في المقابل أشار هيرست إلى وجود اختلاف في الآراء بين المنفيين السعوديين الآخرين في لندنوإسطنبول، حيث يصف البعض الأمير أحمد بأنه شخصية ضعيفة للغاية لإحداث تغيير في المملكة، ويقول آخرون إن لديه دوافع شخصية للتخلص من بن سلمان. وعلق هيرست قائلا أن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الأمير أحمد سيتمكن من أداء الدور نفسه الذي لعبه الملك فيصل الذي أطاح بأخيه سعود في الانقلاب العائلي الوحيد السابق عام 1964، ولكن إذا فشل كل شيء فقد يجد نفسه في نظير تاريخي آخر وهو محاولة أحمد شفيق للإطاحة بجنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مسرحية انتخابات مارس. فقد شُجع شفيق، الذي كان ينظر إليه على أنه أخطر منافس للسيسي، على العودة إلى مصر بعد مدة نفي في دبي. ولكن بعد عودته تبرأ منه زملاؤه الجنرالات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأجبر على التخلي عن التحدي الرئاسي. تماسك عائلي في المقابل يرى تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن منصب ولي العهد المتهم بقتله أو بالأمر به، محمد بن سلمان يبدو مستقرا، لافتا إلى أن العائلة المالكة وحدت صفوفها لحماية نفسها من العاصفة التي هزتها بعد مقتل خاشقجي. وتنقل الصحيفة عن مسؤولين مقربين من العائلة، قولهم إن منصب ولي العهد آمن، وأضافوا أن الملك الثمانيني سلمان عاد لممارسة بعض مهامه التي حولها لابنه بسبب تداعيات مقتل الصحفي، ما أثار التكهنات حول إمكانية تخفيف بعض سلطات ولي العهد البالغ من العمر 33 عاما، مشيرة إلى أن هناك أدلة على استماع الملك وولي عهده للأصوات داخل العائلة، بعد عامين من توطيد السلطة وتهميش الأمراء. ويرى التقرير أن عودة الأمير أحمد بشكل مفاجئ وبضمانات أمريكية أوروبية هو تحرك رأى فيه المسؤولون الأجانب والأشخاص المقربون من العائلة محاولة لتوحيد صفوفها. وتورد الصحيفة نقلا عن أحد أفراد العائلة، قوله: “هناك إدراك بأننا نقف معا ونسقط معا.. هناك قدر من الخوف والفزع”. وتقول الصحيفة إن البعض يخشى من فتح موضوع الخلافة في وقت تواجه فيه العائلة أزمة، ما سيؤدي إلى زعزعة استقرارها، وإضعاف سلطتها، لافتة إلى أن هناك قلة قادرة على تحدي سلطته، خاصة أن الملك وابنه قاما، منذ العام الماضي، بتهميش وإسكات الأمراء البارزين في العائلة.