الحكمة تقول حين تسير في نجاحك مسرعا تتبع الكلاب ظلك ولا تصيبك، والانطباع الواضح والبديهي الذي وصل كافة المراقبين والسياسيين من تزلف محمد بن سلمان في كلمته لكل من أردوغان وقطر، أنها نداءات استغاثة من شخص يغرق، وخلال مشاركته في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” المنعقد في الرياض، لفت قول بن سلمان إن “الاقتصاد القطري قوي على خلافنا معهم، لديها اقتصاد قوي، وستكون مختلفة تمامًا بعد خمس سنوات”. إلا أن نداءات الاستغاثة تلك رد عليها القطريون بالقول “لا نحتاج شهادتك فأنت أقل بكثير من أن تقيم قطر واقتصادها لا نحتاج شهادة الفاشلين وقضية خاشقجي كسرت خشوم واجد يالناشر”، ويظهر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي تغزل هو الآخر في قطر من خلال تصريحاته مدى حالة التخبط التي تعيشها بلاده منذ اللحظات الأولى لإعلان مقتل خاشقجي، إذ خرجت عدة روايات سعودية رسمية حوله، الأولى أرجعت مقتله إلى تشابك بالأيدي، والثانية من خلال كتم أنفاسه، والثالثة خلال شجار.
السيارة ترجع للخلف ويبدو أن الجبير، تراجع ولحس تصريحات عنترية ومتغطرسة سابقة قال فيها إن “أزمة قطر مسألة صغيرة في أجندة المباحثات لا تعطيها المملكة أهمية وحساسية القضايا الأخرى،” مضيفًا قوله: “هناك ملفات أهم”، إلا انه اليوم ومع فضيحة اغتيال خاشقجي وصفعات قناة الجزيرة القطرية، خرج قائلاً إن التعاون العسكري مع قطر لم يتأثر رغم الخلاف بين الدولتين. ويرى خبراء أن الغضب العالمي وتداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول قد يعود بالفائدة على قطر في مواجهتها السياسية مع الرياض التي قد تجد نفسها مضطرة إلى تخفيف العقوبات المفروضة على الدوحة منذ اندلاع الأزمة بينهما في يونيو 2017. تقول الناشطة وفاء رفعت: “سؤال بجد هي السعودية ممكن تعمل تصالح مع قطر بدون تنفيذ الشروط 13 علشان موضوع خاشقجي؟. رغم أن الجزيرة لغاية اللحظة دي واخدة ولي العهد مش كل يوم ، ده كل دقيقة غسيل ومكواة ؟!”، الأمر الذي يؤكده محللون قالوا إن مقتل خاشقجي الذي كان ناقداً لسياسات السعودية، ومن بينها مقاطعة قطر، قد يقنع المشككين بأن الشكاوى القطرية مما تصفه ب”العدوان” السعودي مبررة. وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومعهم قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي في الخامس من يونيو 2017 علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، متهمةً إياها بدعم “الإرهاب”، وهي اتهامات نفتها الدوحة وفرضت الدول الأربع مقاطعة اقتصادية على قطر، ومنعت الطائرات القطرية من عبور أجوائها، والشركات القطرية من العمل على أراضيها، بينما منعت السعودية والإمارات والبحرين مواطنيها من السفر إلى قطر. قطر تربح تقول الباحثة نهى أبوالدهب، من معهد بروكينغز في الدوحة: “أضرت قضية خاشقجي بسمعة السعودية، خصوصًا بالنسبة إلى ما يطلق عليه مكافحة الإرهاب”، مضيفة: “في هذه المرحلة، المواجهة بين قطر والسعودية تبقى في أسفل قائمة الأولويات”. وسعت الدوحة إلى عدم التدخل في أزمة خاشقجي، خصوصًا مع الاتهامات التي وجَّهها السعوديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأولى بأن قطر خططت للأمر، خاصة أنه حدث في تركيا، حليفة قطر القوية، وغضب السعوديون أيضًا من تغطية قناة الجزيرة القطرية المكثفة لتداعيات مقتل خاشقجي، واعتبر البعض أنها تسعى فقط لإحراج المملكة بأكبر قدر ممكن. وكانت الرياض قد طالبت في خضم الأزمة القطرية بإغلاق قناة الجزيرة كشرط رئيسي لرفع الحظر عن الدوحة، ويقول أولريشسن: “أعتقد أن العالم يرى الآن ما يعرفه أهل الشرق الأوسط”، متابعًا: “هذه سعودية مختلفة للغاية عن التي يعيشون معها”، خصوصًا منذ تولي وليّ العهد محمد بن سلمان منصبه العام الماضي.