بعد الحوار المتلفز الذي أعلن فيه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، مساء الإثنين 24 سبتمبر 2018م، قطع علاقته وحزبه “نداء تونس” بحركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية التي يرأسها المفكر الإسلامي راشد الغنوشي، بعد تحالف استمر 5 سنوات محملا النهضة مسئولية ذلك، يتوقع محللون وخبراء أن تشهد خريطة التحالفات السياسية تحولات كبيرة، مؤكدين أن الفائز الأكبر من الوضع الراهن هو رئيس الحكومة الذي فجر الخلاف بين الحليفين يوسف الشاهد. بينما يرى آخرون أن “حركة النهضة” هي الفائز ورسخت وجودها كقوة رئيسية تمثل رمانة الميزان في مشهد سياسي متحول وملتهب. ويوسف الشاهد، رئيس الحكومة الذي استقدمه السبسي من القطاع الخاص إلى عالم السياسة، وأصبح عضوا بنداء تونس، ثم كلفه بتشكيل الحكومة في 2016 هو سبب الأزمة. لكن الشاهد لم يعد مجرد شاب مغمور يدين باكتشافه للسبسي، إنما تحوّل إلى لاعب سياسي مهم، ودخل في صراع حاد مع حافظ السبسي نجل رئيس الدولة؛ ما أدى لنزيف استقالات في حركة نداء تونس وقلّص كتلتها البرلمانية من 86 نائبا إلى 41 فقط. أراد “السبسيان” الابن والأب إقالة الشاهد من منصبه، لكن النهضة رفضت التخلي عنه بحجة الحفاظ على استمرار تنفيذ المشاريع التنموية واستقرار المشهد السياسي قبل الانتخابات المقررة في 2019. وإلى جانب النهضة، يحظى يوسف الشاهد بمباركة الخارج؛ حيث ينفذ سياسات خصخصة تحظى بإعجاب المؤسسات المانحة، وإن كانت تثير حنق الاتحاد التونسي العام للشغل.
تسريح بإحسان ويمكن وصف إنهاء التحالف بين “النداء” و”النهضة” بأنه تسريح بإحسان، فكلاهما، السبسي والحركة، تكلم عن إنهاء التحالف بلغة إيجابية لا تقطع حبال التواصل في مشهد سياسي متحول؛ ما يؤكد أن كليهما يعلم أن عالم السياسة يمكن أن يدفعهما إلى التحالف مجددا. يبدو ذلك من خطاب الرئيس السبسي الذي أضاف، في مقابلة مع قناة “الحوار التونسي” الخاصة، انه دافع عن “النهضة” ودفع ثمنا باهظا، لكنها غيرت حلفها معه، من أجل خيارات أخرى، “وهم أحرار في ذلك ويتمنى لهم النجاح”. وتابع حديثه عن الحركة قائلاً: “قد يفهمون ربما بعد فترة أن بعض خياراتهم كانت خاطئة”، مؤكدا “أن لا شيء ثابتا في السياسة، وأن المعادلات تتغير باستمرار”، مؤكدا أن “تونس لا يمكن أن تخرج من أزمتها إلا بالحوار”. كما وصف السبسي الوضع في تونس حاليا بأنه “”صعب جدا، وهو أصعب من نهايات فترة بورقيبة أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت هناك صراعات من أجل خلافته”، حسب قوله. لكنه رأى أن ما يميز اليوم وجود “دستور ومواعيد انتخابية واضحة وإعلام حر، وأن انتخابات 2019 ستُجرى في موعدها في ديسمبر رغم كل دعوات تأجيلها أو تقديمها”، لافتاً أنه “من سوء الحظ فقد انطلقت استعدادات بعضهم لهذه الانتخابات قبل موعدها بسنتين أي بشكل متقدم”. ورغم قوله إن الترشح للانتخابات المقبلة حق يكفله له الدستور التونسي، إلا أنه قال إن “هذا الحديث سابق لأوانه، ولكل حادث حديث عندما يحين الوقت، وهناك كفاءات عديدة في تونس ولكن بعضهم يغطي عليها”. وفي بيان أصدرته، قالت “النهضة” إن الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي، لا يعني التنكر “للعلاقة المتينة التي تربطنا برئيس الجمهورية”. وفيما يبدو حرصا على تجنب الشقاق، هوّنت الحركة من القطيعة، وقالت إن الاختلاف في وجهات النظر هو من صميم الحياة الديمقراطية ومن متطلبات دقة المرحلة وجسامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام الوطني. ولم تكتف بذلك، إنما أشادت بدور السبسي منذ انطلاق الثورة في إرساء ثقافة التشاور والحوار بين الفرقاء السياسيين “في مواجهة خيارات التفرد والإقصاء والمغالبة”. خريطة سياسية جديدة ومع تسبب أزمة الشاهد في فراق الجانبين، فإنه بات من المؤكد أن الخريطة السياسية بتونس بصدد التشكّل من جديد. ووفق مراقبين، فإن حركة النهضة ستحتفظ بزخمها الشعبي في الاستحقاقات المقبلة، بينما تعصف الخلافات بنداء تونس حيث انسحب كثيرون وانقسم الباقون إلى فريقين متخاصمين، أحدهما يدعم الشاهد والآخر يقف في صف حافظ السبسي نجل الرئيس. وبعد ضمان دعم النهضة وتشكل كتلة جديدة في البرلمان مؤيدة له يخرج الشاهد منتصرا، ليس لأنه كسب رهان البقاء في منصبه، وإنما لكونه فرض نفسه طرفا قويا يطمح لخلافة السبسي في قصر قرطاج. وبحسب مراقبين فإن حركة نداء تونس تعيش أسوأ مراحلها منذ تأسيسها وتوشك على التفكك، مما يهيئ لتحالفات سياسية جديدة قد يخرج منها الشاهد الفائز الأول. أما عضو المكتب التنفيذي لحزب البديل التونسي خميس قسيلة، فيرى في حديث لصحيفة الصباح أن “حركة النهضة هي المستفيد الأكبر من هذا الموضوع.. وهي الماسكة بالخيوط الرئيسية”. ووفق قسيلة، فإن التطورات الأخيرة تزيد من ضعف نداء تونس بينما تظهر النهضة للممولين وشركاء تونس “كحركة عاقلة ورصينة وتعطي الأولوية للاستقرار وتراعي التزامات تونس.. وتريد أن تشدد على أن الفترة الحالية هي فترة التزامات بالتعهدات وإعداد الميزانية وليست فترة تغيير”.