مع قرب انتهاء شهر رمضان الكريم، يحرص المصريون على إخراج زكاة الفطر، وفي هذا السياق هناك بعض الأسئلة الهامة التي تشغل ذهن البعض، من بينها هل يجوز إعطاء الزكاة لأسرة شهداء ثورة 25 يناير الذين فقدوا عائلهم وأهملتهم سلطات الانقلاب، وهل يجوز إعطائها لدفع كفالة معتقل ضحى بحريته ووقف رافضاً بكل كرامة وبطولة الانقلاب العسكري في 30 يونيو 2013 ؟ ويقبع الآلاف من المصريين في معتقلات الانقلاب، بسبب مواقفهم المؤيدة للشرعية، ويقف الكثير منهم في موقف العاجز عن الخروج بسبب عدم دفع الكفالات الباهظة التي تقرها عليهم المحاكم الخاضعة للسفيه عبد الفتاح السيسي، وتساءل المصريين حول جواز دفع زكاة الفطر لأسر المعتقلين، أو كفالة لإخلاء سبيلهم. يقول الشاعر والفنان الساخر عبد الله الشريف:" للتذكير زكواتكم صدقاتكم تبرعاتكم أولى بها أسر المعتقلين ومن نحسبهم عند الله شهداء، اقسم بالله أنهم في عوز وحاجة، وأشهد أنهم من أعف الناس هذه ليست فتوى ولكنها انسانية وفطرة وانا لست وسيطا ولا استقبل مالا من احد، ابحثوا عنهم وادخلوا عليهم وعلى اطفالهم السرور في ايام الله". هؤلاء يستحقونها طالب الشيخ محمد عبد المقصود بدفع الزكاة لأسر المعتقلين، قائًلا هم يحتاجون الزكاة مشيرًا إلي ضرورة أن تكون أسر المعتقل تحتاج إلي المال، فهناك معتقلين ينتمون إلي أسر غنية لا تحتاج إلي المال، فلا يجوز التبرع لهم، ولا يجوز للأسرة أن تقبل هذه التبرعات. وطالب عبد المقصود من دافعي الزكاة أن يدفعوا لأسر المعتقلين سرًا حتى لا يتم اعتقالهم بسبب مساعدة المعتقلين في ظل الدولة الظالمة التي نعيش فيها. ضحايا السيسي من جهته أفتى الدكتور محمد الصغير، عضو حركة "علماء ضد الانقلاب"، عضو "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، ومستشار وزير الأوقاف سابقًا بجواز إخراج زكاة المال للمعتقلين في السجون، وقال إن أحد مصارف الزكاة عاد مرة أخرى في دولة الخوف والقمع ودولة السيسي، وهم "في سبيل الله والغارمين" وهم المحبوسون في قضايا لعدم استطاعتهم دفع الكفالات التي بلغت بالملايين". ولا يوجد إحصاء دقيق للمحبوسين على خلفية معارضة سلطات الانقلاب، إلا أن منظمات حقوقية ومصادر تابعة ل ""التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، المؤيد للرئيس المنتخب محمد مرسي، قدروا أعدادهم بحوالي 60 ألف معتقل، منذ انقلاب عصابة العسكر. وفي السياق ذاته، من جانبه أفتى الشيخ عصام تليمة من علماء الأزهر، بجواز إخراج زكاة المال وزكاة الفطر، للمعتقلين، والهاربين من بطش سلطة الانقلاب في مصر، وقال ان :"الواقفين ضد الظلم في مصر، وضد هذا الانقلاب الغاشم على الأخلاق والحريات بكل مستوياتها: السياسية، والشخصية، والدينية، هم خير أناس يعطى للمحتاج منهم الزكاة، سواء كانت زكاة مال، أو زكاة الفطر". مشيراً الى أن مثل هؤلاء يدخل في أكثر من باب من أبواب ومصارف الزكاة، فهو: غارم، وذلك بخسارة وظيفته وماله، إن كان موظفا أو تاجرا، أو يعمل عملا حرا، وهو كذلك: فقير، بحكم وضعه الآن، وهو يعد من (الرقاب)، وهو باب واسع، عد منه العلماء الأسير، ويدخل منه المسجون ظلما عند حاجته، ويدخل أيضا في باب (وفي سبيل الله)، فقد كان قبل دخوله السجون يجاهد الظلمة سواء خارج السجن، أو داخله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا". وأكد الشيخ تليمة أنه يدخل المطاردون والهاربون بسبب أحكام ظالمة في باب (ابن السبيل) أيضا، فيدخل في أكثر من مصرف من مصارف الزكاة كما رأينا والتي قال الله تعالى فيها: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) التوبة: 60. وأخيرا يقول الدكتور أكرم كساب، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن الأسرى في السجون والمعتقلات يجب الإنفاق عليهم حتى يتم خلاصهم، لأن سجنهم بغير ذنب اقترفوه، ولا جرم أتوه، وها نحن نرى من النظام الغاشم قتلا متعمدا إما بالتجويع ومنع الدواء والكساء، وإما بالتصفية المباشرة والتي لا يحاسب عليها فاعلها لأن العدل قد غاب، وإما بالأحكام الجائرة التي يصدرها نفر يقودهم رجل معتوه لا يفرق في كلامه بين نبي معصوم صلواته الله وسلامه عليه، ولا بين بشر من طبيعة الخطأ والنسيان. وما أروع ما قاله الإمام القرطبي في تفسيره:"فتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها"، وقال الإمام مالك:"واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم. وهذا لا خلاف فيه". ولا يزال يتذكر المصريون كلمات السيدة العجوز حسنية الجندي، وسنوات عمرها السبعين تتوسل للقاضي "طلّع ابني وأنا أمسحلك البلاط"، بينما لم يكن ابنها إلا أحد المعتقلين يقبع في سجون الانقلاب منذ أكثر من خمس سنوات، وهي تبكي مترجية قاضي المحكمة بالإفراج عنه، مؤكدة أنه اتهم بأعمال الشغب في أحداث العدوة بمحافظة المنيا ظلما، وهو المعيل الوحيد لعائلته.. أفلا يستحق هؤلاء المساعدة بالمال؟