هذه هى أداة الاستفهام الأشهر فى هذه المرحلة التى نمر بها.. وهى مرحلة معروفة فى تاريخ الحريات وحركات الصمود.. وهذا مما يعطينا إحساسا ما بالراحة وبشرى لنا بنصر قريب. ذلك أن المحن تأخذ رسما بيانيا له مسارات معروفة.. أحد هذه السيناريوهات تبدأ فيه المحنة عنيفة، تأخذ بعض الاستقرار ثم تصل إلى ذروتها، فيأتى النصر. قد تستمر المحنة فى عمق الذروة بعض الوقت.. لا يستطيع أحد أن يحدد وقتها وشكلها.. ليكون الامتحان متكامل الأركان.. لن يطلعنا الله عز وجل على أسئلة الامتحان أو شكلها ليميز الله الخبيث من الطيب...بل كلما اشتدت المحنة يتمايز الخبيث درجات عدة والطيب أيضا درجات عدة...(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179 آل عمران). وهذا الرسم البيانى قد يكون أكثر تعقيدا ليحقق سنن الله فى الاختبار..كان دوما صاحب الظلال يقول: إن الله عز وجل قد يضحى بالنصر المؤزر أحيانا ليربى الإنسان... وفى هذا إعداد وتكوين. "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (140 آل عمران). والله عز وجل هو الذى يختار تلك الدماء.. فقط هو سبحانه، ولا نستطيع حتى أن نتوقع صفاتها.. وكما ذكرت أن الذروة يأتى بعدها النصر.. بإذن الله فقط.. تسبقها بشريات وقد لا تسبقها.. فالبشرى هدية من الله عز وجل لإراحة القلوب ولتثبيتها.. إنما النصر يأتى من عند الله سبحانه. يقول قطب: "إن النصر يجىء به الله فى الوقت الذى يقدره، بالطريقة التى يريدها، للغاية التى يرسمها..." يكفيك أنك أداة للنصر يأتى على يديك.. لذلك أنت تحاول جاهدا أن تزاحم لتجد لك مكانا حيث نزول النصر... فهو بك أو بغيرك قادم بإذن الله. نسأل الله العافية من اشتداد المحنة، وأن يحقن الدماء الطاهرات... لعلنا نكون قد وصلنا لتلك الذروة.. ولكننا ما زلنا فى عمقها لم يأذن الله بعد بالنصر. "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (214 البقرة). حتى الرسول نفسه -صلى الله عليه وسلم- يسأل: متى نصر الله.. والأكيد أن هذه الأسئلة ليست شكا فى النصر أو يأسا منه... بل إنها مشاعر طبيعية... إنها والله أعلم تلك الخواطر العابرة التى تتعلق بها النفس وهى فى حيرة من أمرها تثق بنصر الله وتتمنى أن تراه قريبا؛ فهو المحبب إلى النفوس والذى به ينتهى الفساد والطغيان ويفسح المجال للبناء الإيمانى.. وقد عبرت عنها آيات أخرى فى سورة يوسف يقول الله تعالى فيها: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّى مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين". لا أعنى بذلك أن ننفض أيدينا من أسباب الأرض السياسية وننتظر فرج الله، بل إننا نستطيع أن نتفاعل مع القضية بأكثر من زاوية، وحينها تتعمق الرؤية وتثبت القلوب وتنجح فى امتحانك... "وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا" (51 الإسراء).