ظلت الشعوب فترة طويلة من الزمن مجردة من السيادة لا رأى لها ولا إرادة فيمن يحكمها، تستيقظ فى الصباح لتكتشف أن مجموعة العسكريين قد قفزوا على السلطة وأطاحوا بالجالسين عليها، وبعد فترة تنقلب مجموعة أخرى من العسكر على من سبقهم، وهكذا دواليك حتى قيل إن من يستيقظ مبكرا من العسكر يستولى على الحكم فى مغامرات متواصلة، وغالبا ما ينهزم هؤلاء المغامرون إذا ما واجهوا أعداء أوطانهم حتى انطبق عليهم قول الشاعر: أسدٌ على وفى الحروب نعامة ربداء تجفل من صفير الصافر وبمرور الوقت بدأت الشعوب تشعر بكرامتها وتسعى لتأكيد سيادتها وتحرير إراداتها وتتصدى للحكام الديكتاتوريين، ولم تكن المعركة متكافئة، فالسلاح المدجج فى أيدى الحكام، ومع ذلك فقد أدركت الشعوب أن معها قوة هى قوة الحق، وأن هذه القوة قادرة على هزيمة أعتى الأسلحة بصدورها العارية وأيديها الفارغة. وقد رأينا فى العصر الحديث ثورات شعبية تصدت فيها الشعوب لأنظمة ديكتاتورية إرهابية ودفعت أثمانا غالية من الأرواح والدماء ولم تستخدم بعضها إلا الورود تنثرها على الجنود وهم يحصدون أرواحهم بالرصاص الحى، حتى اضطر الجنود أخيرا إلى ترك السلاح والانضمام إلى الشعوب، وهنا فرّ بعض الحكام وتم القبض على آخرين حيث تم القصاص منهم. من هذه الثورات: الثورة السودانية 1964 حيث كان الفريق إبراهيم عبود هو الحاكم الذى استولى على الحكم بانقلاب عسكرى وسجن الحاكم الشرعى إسماعيل الأزهرى، وفى عام 1964 ثار الشعب السودانى ضده ثورة سلمية فأمر الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين فسقط منهم عدد من الشهداء واستمرت المظاهرات، وفى اليوم الثانى تكرر إطلاق النار وسقوط الشهداء، وفى اليوم الثالث رفض الضباط والجنود الاستجابة للأمر بإطلاق النار، وأجبر الفريق إبراهيم عبود على الرحيل وأبعد الجيش عن السياسة، ونجحت الثورة وأجريت انتخابات برلمانية، وكانت سلميتهم هى سر قوتهم. وفى سنة 1979 قامت ثورة شعبية كبيرة على حكم الشاه فى إيران بعد أن عاث فيها فسادا واستبدادا على مدى 40 عاما، وتكرر سقوط الشهداء بالآلاف كل يوم، والثورة مستمرة حتى استسلم الجيش وفرّ الشاه ولم يجد دولة تئويه إلى أن دعاه السادات إلى مصر رغم رفض الشعب المصرى كله ومات فيها ملعونا مكروها، وتم القصاص من رئيس وزرائه وقيادات جيشه وحرسه ونجحت الثورة بسلميتها وتحضرها . وفى رومانيا ثار الشعب الرومانى على الطاغية شاوشيسكو وزحف على القصر الجمهورى فاستقبله الحرس بالرصاص وسقط الصف الأول من المتظاهرين فتجاوز الصف الثانى جثثهم وتقدم نحو القصر وتم حصد الصف الثانى وهكذا حتى هرب الحرس وترك شاوشيسكو يسقط فى أيدى الثوار الذين حاكموه وحكموا عليه بالإعدام ونفذوا الحكم قصاصا من جرائمه الرهيبة، وكانت قوتهم فى سلميتهم. وفى 25 يناير 2011 ثار الشعب المصرى ثورة سلمية ضد الطاغية حسنى مبارك وقدم ألف شهيد وآلاف الجرحى، وانهار جهاز الشرطة الذى أعده على مدى ثلاثين عاما وأنفق عليه المليارات من أموال الشعب لكى يقمع الشعب ويرهبه ويبطش به، واضطر الطاغية إلى الرحيل تحت ضغط السلمية والإصرار والصبر والصمود والتضحية . واليوم ونحن نتصدى للثورة المضادة التى أفلحت فى القيام بانقلاب عسكرى وأطاحت بالشرعية واختطفت الرئيس الشرعى المنتخب وعطلت الدستور المستفتى عليه وحلت مجلس الشورى المنتخب، وكل ذلك أبرز مكاسب ثورة 25 يناير 2011م، وفعلت ذلك تحت غطاء مجموعة من السياسيين الفاشلين الذين خسروا فى الانتخابات والاستفتاءات الخمسة التى خاضوها، والذين تنكروا لكل ما زعموا من مبادئ الحرية والديمقراطية والدولة المدنية ورفض الدولة العسكرية والبوليسية، إذا بهم يحرضون الجيش على الانقلاب ويقفون معه ضد الإرادة الشعبية والسيادة الشعبية والشرعية الدستورية، ونحن نتصدى للانقلاب العسكرى الدموى الإرهابى نستلهم كل هذه الثورات التى ذكرناها وعلى رأسها ثورة 25 يناير من حيث سلميتها وتحضرها وزخمها الشعبى، ونتمسك بذلك رغم مئات الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف المعتقلين الذين قدمناهم خلال ثلاثة أسابيع فقط من هذا الانقلاب العسكرى الدموى، ولم ولن نلجأ لاستخدام القوة المادية مهما استخدم الانقلابيون القوة المادية، فسلميتنا أقوى من أسلحتهم، وسوف ينتصر دمنا على رصاصهم لأن دمنا هو دليل الحق وثمن الحرية والكرامة، ولن تنتصر إرادة طغمة باغية على إرادة شعب حر مكافح يستمد قوته من قوة الله. ______________________ المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان المسلمين