ليس صحيحا أن الجماهير هي من استدعت السفيه عبد الفتاح السيسي للانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، بل إن الجنرال هو من خطط عملية حشد الجماهير، مستعملا تلك النخب الانتهازية الأجيرة، لكي يدهن انقلابه بطلاء مدني أبيض، ليكون يونيو 2013 تاريخ وفاة ثورة يناير ومواراتها الثرى. ويدرك أصحاب العقول أن مقاولات بناء السجون باتت أحد المحركات القليلة للاقتصاد المصري المتهاوي باعتبارها مشروعات بنية تحتية للسلطة العسكرية القمعية المنقلبة علي العملية الديمقراطية، بعدما ضجت السجون الحالية بعشرات الآلاف من الشباب والمعارضين لها، ناهيك عن التعذيب المفضي إلى الموت بها ومئات الحالات الأخرى للقتل البطيء داخل أماكن الاحتجاز والتصفية الجسدية للمعارضين السياسيين بمنازلهم. تقول السيدة "منال يوسف"، إحدى أهالي المعتقلين بسجن الزقازيق العمومي، أن المعتقلين يتعرضون لأبشع أنواع الانتهاكات، دون النظر إلى حقوق الإنسان، والتعامل معهم بطريقة لا آدمية، مضيفة أن إدارة السجن تقوم بإذلال المعتقلين والتعنت في الاستجابة لمطالبهم، ومنعهم من الطعام، ومنع دخول الأدوية لهم، وتجريدهم من متعلقاتهم الشخصية ومن الملابس والبطاطين. إرهاب بقوة السلاح وتعقيبا على شهادة السيدة "منال" بات الجميع يدرك أن هذا ليس حربا على الإرهاب، بل إرهاب انقلاب بقوة السلاح الممول من دافعي الضرائب المصريين، وخارج نطاق القانون، لمحاولة استعادة سلطوية دولة مبارك الفاسدة المستبدة، وزرع الخوف مجددا في قلوب المصريين بعد ثورتهم، فالإرهاب منبعه الإرهاب المنظم لهكذا سلطة تمارس جرائم بحق الإنسانية بشكل ممنهج ومستمر، بات الشعب يردد ولو بصوت خافت الآن في وجه السفيه السيسي "أنتم صُناع الإرهاب وحطبه ووقوده وبات رحيلكم وحسابكم واجبا لاستعادة العدالة وحفظ الأمن". ويرى مراقبون أن القتل البطيء للسياسيين المعارضين إستراتيجية قديمة للأنظمة الاستبدادية، حيث يلقى بالمعارضين في غياهب السجون في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد تتجاوز القهر والتعذيب إلى القتل البطيء بدءا من أجواء الزنازين المعتمة المظلمة المليئة بالقاذورات والهواء العفن إلى الطعام المليء بالقذارة والأمراض إلى منع الدواء والغطاء إلى ملء الزنازين في كثير من الأحيان بالمياه الآسنة أو المخلفات الإنسانية أو الحيوانية. إلى سجانين قساة غلاظ لا يعرفون من الإنسانية شيئا ولا للرحمة معنى فتبدأ روح السجين تنطفئ وجسده ينزوي ويتآكل وصحته في التدهور والانهيار فتضيق نفسه ويختنق صدره ويأتيه الموت من كل مكان، فما ينجو إلا من يلهمه الله الصبر فيكون معه في بلائه حتى حين، ومنهم من يأتي أجله على هذه الحال. وعلى الرغم من أن كتب التاريخ تمتلئ بهذه القصص إلا أن الحاضر مليء بما هو أعظم منها وأكثر أسى وظلما وبطشا، لجنرالات انقلاب ظالمين قساة غلاظ هدفهم أن يقضوا على معارضيهم موتا، لكن شاء الله أن يتساقط الطغاة واحدا تلو الآخر وأن يخرج هؤلاء للحياة ليرووا للبشرية جانبا من ظلم العسكر، بداية من سجون عبدالناصر والقذافي وبن علي والحسن الثاني والأسد والسيسي، فأين ذهب هؤلاء المستبدون بعد كل ما فعلوا بالناس؟ تجويع وتعذيب وأشارت السيدة "منال" في شهادتها إلى أن الزيارات كل 16 يوم، ومن يسمحون بدخوله من الطعام لا يكفي لإشباع قطة –حسب تعبيرها- ولذلك إدارة السجن تتعمد تجويع المعتقلين بشكل مباشر. ووصفت إدارة سجن الزقازيق بأنها إدارة غاشمة ظالمة، فإنها تتعمد عدم دخول العلاج لذويهم، ومحاولة ذلهم ومنع عنهم كل أساليب الحياة، كما شبهت السجن ب "المقبرة"، مشيرة إلى أن حياه المعتقلين في أشد الخطر. وأضافت السيدة "منال" أن الزيارات عبارة عن سلك لا يتجاوز مدتها ال10 دقائق، حيث لا يستطيعون ان يروا ملامح معتقليهم، ويمنع من مصافحة أهله، كما يمنعون عن الحديث بمفردهم، فالكل معتقل مخبر جالس معه حتى لا يستطيع الكلام مع أهله. وأكدت أن إدارة السجن تتعمد إجبار المعتقلين على الخضوع لهم، وتقوم بحبسهم انفرادي دون ملابس في ظل هذا الجو الشتوي البارد، وحملت إدارة السجن ومصلحة السجون المسؤولية الكاملة عن سلامة ذويهم، وتطالب بمحاكمة المتورطين مع المعتقلين وعلى رأسهم أحمد عثمان-ضابط مباحث، أحمد عاطف-رئيس مباحث، أحمد هلال-تابع للمصلحة، محمد حسن صدقي-ضابط مباحث- تعدى على ترحيلة وتسبب في كسر عظام أحد المعتقلين، يوسف عبدالمسيح–مخبر، عبدالرازق–مخبر. وناشدت السيدة "منال" النيابة العامة بالتحقيق في تلك الانتهاكات وإحالة المتورطين فيها للمحاسبة، ويجدر بالذكر أن الكثير من أهالي المعتقلين قاموا بتوثيق تلك الانتهاكات عبر إرسال تلغرافات ومناشدات لمكتب النائب العام يطلبون فيه التحقيق فيما يحدث مع ذويهم. سجون السيسي المنظمات الحقوقية وأسر المعتقلين تروي كل يوم قصصا لا تصدق عما يتعرض له المعتقلون في سجون السيسي من مظالم وانتهاكات، ربما لا تحدث في سجون إسرائيل تجاه الفلسطينيين وأتساءل دائما ماهو حجم الحقد والغل والكراهية التي يزرعها النظام في نفوس السجانين تجاه مصريين مثلهم حتى تنتزع الرحمة من قلوبهم فيعاملون هؤلاء الذين كانوا وزراء وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وحتى أناسا عاديين بهذه القسوة البالغة والإنسانية المنعدمة؟ ووثًقت تل المنظمات انتهاج زبانية السيسي التعذيب المبرح في السجون ومراكز الشرطة والمعتقلات؛ منذ بدء حملات الاعتقال في صفوف المعارضين للانقلاب في يوليو 2013، وحملت تلك المنظمات السيسي نفسه المسؤولية المباشرة عما يحدث من تعذيب وانتهاك للقانون والدستور في السجون ومراكز الاحتجاز في عموم محافظات مصر المختلفة. ويستخدم زبانية السيسي وسائل وحشية في التحقيق مع آلاف المعتقلين بشكل ممنهج؛ وهو ما خلصت له لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة التي أكدت أن "التعذيب ممارسة منهجية في مصر"، لكن شيئا أساسيا يبقى مصدر الأمل هو أن لكل ظالم نهاية حتى وإن طال أجله وطغى ظلمه وسينصر الله كل مظلوم حتى ولو بعد حين.