يقوم المنهج الإسلامى لضبط نفقات وإيرادات الأسرة فى ظل الظروف العادية على عدة مبادئ وأحكام، منها: الإنفاق فى المباح شرعا (الحلال)، والإنفاق فى الطيبات، والاعتدال فى الإنفاق،والالتزام بسلم الأولويات الإسلامية، وتجنب الإسراف والتبذير، وتجنب النفقات الترفيهية والمظهرية، وتجنب نفقات التقليد والبدع المخالفة لشرع الله، وتجنب التعامل مع أعداء الدين والوطن. وبالإضافة إلى الضوابط الشرعية العامة السابق بيانها، هنالك مجموعة من الضوابط الخاصة بحالات الأزمات والكوارث والمصائب، من أهمها ما يلى: أولاً- المزيد من الاقتصاد فى النفقات: أى التقشف، ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم"، ووصيته لأبى ذر الغفارى "خذ من غناك لفقرك". ثانيًا- الإنفاق على الضروريات أولاً، ويلى ذلك الحاجيات، ولا يجوز الإنفاق على الكماليات أو التحسينيات وقت الأزمات ونزول البلاء. ثالثا- التركيز على النفقات الجارية وتأجيل النفقات الرأسمالية مثل شراء الأصول المعمرة الثابتة وما فى حكمها. رابعا- عدم تخزين الطعام خشية إحداث خلل فى الأسواق ويقود ذلك إلى ارتفاع الأسعار. خامسا- تنمية الموارد الذاتية للأسرة بمزيد من الجهد وتحويل البيت إلى خليه إنتاجية تعمل فيها الزوجة والأولاد بجانب عمل الأب خارج البيت. سادسا- عدم التوسع فى الشراء الآجل أو الشراء بالتقسيط حتى لا تثقل عاهل الأسرة، فلا اقتراض إلا لضرورة، والضرورة تقاس بقدرها. سابعا- بيع الأشياء غير المستعملة والاستفادة من ثمنها فى سد العجز فى ميزانية الأسرة. ثامنا- أن يكون رب البيت قدوة لأهل البيت، وأن يكون الراعى قدوة للرعية كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن تطبيق هذه الضوابط الشرعية للسلوكيات الاقتصادية سوف يجنب ميزانية الأسرة العجز والخلل والارتباك، كما أن فى ذلك تربية على التضحية والجهاد الاقتصادى ضد النفس وضد الأعداء. نماذج من سلوكيات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقت الأزمات: كان صلى الله عليه وسلم نموذجا للخشونة وقت الأزمات، وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبِض" (رواه مسلم). وعن عروة عن عائشة رضى الله عنها كانت تقول: "والله يا ابن أختى إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة فى شهرين وما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، وكنا نعيش عل الأسودين: التمر والماء" (رواه مسلم). وعن أنس رضى الله عنه أنه قال: "لم يأكل النبى صلى الله عليه وسلم على خوان (مائدة) حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات" (رواه البخارى). وعن النعمان بن بشير رضى الله عنها قال: "لقد رأيت بينكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه" (رواه مسلم). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بعدم تخزين الطعام وقت الأزمات حتى لا يحدث الغلاء، وهذا سلوك المستهلك الذى يحافظ على سلامة المعاملات فى الأسواق ولا يسبب ضررًا لأحد، فعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: دخل النبى صلى الله عليه وسلم على بلال رضى الله عنه وعنده صبرٌ من تمر فقال: "ما هذا يا بلال ؟" قال بلال: أعد ذلك لأضيافك، قال: "أما تخشى أن يكون لك دخان فى نار جهنم؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالاً" (رواه الطبرانى) ويستنبط من هذه الحديث عدم الشراء للتخزين ما فوق الحاجة وقت الأزمات. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: أهديت للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتته بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أنهك أن ترفع شيئا لغد، فإن الله تعالى يأتى برزق غد" (رواه البيهقى) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتصدا فى طعامه، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن ما السرف أن تأكل كلما اشتهيت" (رواه الدارقطنى)، ولقد روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سقطت لقمة أحدكم، فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان" (رواه مسلم)، وعن المقدام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" (رواه ابن ماجه)، وعن جعدة الجشمى رضى الله عنه قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى بطن رجل سمين ويقول: "لو كان هذا فى غير هذا كان خيرا لك"، (رواه الترمذى)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وسأل أهله عن طعام فلم يجد، نوى الصيام. ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم فى هذا الخصوص قوله: "الاقتصاد نصف المعيشة" (البيهقى)، وقوله صلى الله عليه وسلم كذلك: "من فقه الرجل قصده فى معيشته" (رواه أحمد) ، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاقتصاد فى المعيشة يجنب الإنسان الفقر والدين، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما عال من اقتصد" (رواه مسلم) هذه نماذج سلوكية من حياة الرسول صلى الله عليه يجب أن نتأسى بها فى حياتنا .