منذ بداية تأسيس الإمام البنا لجماعة الإخوان المسلمين وهو يرسخ لدى أبناء الدعوة أن التربية والتكوين هما طريقا التمكين، وأنه لا سبيل لأصحاب الدعوات سوى اعتماد منهج التربية والتزكية واستخلاص العناصر المؤمنة بالفكرة، والقادرة على تحمل أعباء الطريق والثبات أمام المحن والصمود أمام المغريات ومواجهة الصعاب، والمستعدة للتضحية بكل ما هو غال ونفيس فى سبيل هذا الدين. وشاء الله سبحانه أن تأتى ثورة 25 يناير من غير حول منا ولا قوة، لتعلن عن إتاحة الفرصة أمام المشروع الإسلامى ليقدم النموذج الذى تنتظره البشرية، بعد فشل كل التجارب البشرية الشرقية منها والغربية، وشاء الله أن تتحمل دعوة الإخوان مسئولية تطبيق وتقديم هذا النموذج، بعد مرحلة حكم سابقة امتددت 60 عاما حملت معها الكثير من صفحات الفشل والإخفاق والاستبداد السياسى والفساد المالى والعمالة للخارج. ومن هنا فإن دعوة الإخوان لن تتوقف عن التربية حتى بعد إقامة الدولة، وأعتقد أن الغاية من التربية الإخوانية وأهدافها الحالية يجب أن ترتكز على متطلبات المرحلة والمتمثلة فى الأولويات التالية: 1- إعداد جيل النهضة: ذلك الجيل الذى تسمو مبادئه وقيمه وأخلاقياته وسلوكياته مع طبيعة المرحلة الجديدة ومع الأفكار التى يطرحها مشروع النهضة، الجيل الذى يحقق تماسك البناء الداخلى للجماعة مع قوة الانتماء للوطن.. إعداد ينتج عنه الفرد المسلم المتكامل الشخصية القادر على: (استشعار مسئوليته أمام الله- تحسين صلته بالله- الوعى والإدراك بما يراد لمصر وأمته ولهذا المشروع الإسلامى- العمل الدءوب المتواصل- تحمل أعباء المرحلة ومواجهة مخططات الأعداء.. إلخ) ومن ثم نحقق من خلال هذه الجيل الريادة الدعوية والمجتمعية والحزبية للأمة. 2- بناء رجل الدولة: الذى يمتلك مقومات رجل الدعوة وإمكانات رجل الدولة ويتحقق فيه الوصف القرآنى "الْقَوِىُّ الأَمِينُ"، فيقود الأمة بأخلاق الدعوة وخصائص الرجال ومواصفات القائد الربانى محققا مقولة البنا "كونوا عبادا قبل أن تكونوا قوادا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة"، ومن ثم نحقق دعم الأجهزة التنفيذية برجال المرحلة المناسبين والقادرين على تحقيق أهداف المشروع الإسلامى وإحداث نهضة حقيقية ومجابهة المشروع الصهيوأمريكى. 3- التكوين التربوى الوقائى: الذى يحول دون الانحراف السلوكى أو الأخلاقى أو القيمى، وخاصة ونحو مقبلون على مرحلة الابتلاء بالخير، وهو أشد من الابتلاء بالشر، هذا التكوين الوقائى الذى قال عنه الإمام البنا: "يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره"، وهذا أشد ما نحتاج إليه اليوم، تحصين الصف وأفراد المجتمع جميعا من أمراض القلوب. والنفوس التى قد تفتك بنا وبمشروعنا الإسلامى وبأمتنا، والتكوين الوقائى يعنى تطبيق القاعدة "الوقاية خير من العلاج". 4- المناخ التربوى الداعم: بأن نوفر بيئة تربية مناسبة لطبيعة المرحلة وتكون ذات مرجعية إسلامية وتحافظ على الهوية وتنعكس على الأنشطة والأعمال التربوية، ونستغل فيها ونسخر كل المناخات التربوية المتاحة بعد مرحلة الاستبداد السياسى، تحت أى مسمى كان (شبابية رياضية تعليمية اجتماعية سياسية إعلامية دينية.. إلخ) والاستفادة من كل مقومات المجتمع ومناخاته المفتوحة فى تفعيل التربية المجتمعية. 5- الانتقال من النظرية إلى التطبيق: بأن نتحول من مرحلة رفع وترديد شعار "الإسلام هو الحل" إلى مرحلة التجسيد الواقعى والتطبيق العملى لهذا الشعار، بأن يقدم كل فرد من نفسه نموذجا للشعار عمليا، كل فى مكان وجوده ومحل تأثيره، حتى يقول الجميع وهم يشيرون إلينا بالبنان: "هذا هو الإسلام الذى نريده". بهذه المتطلبات الخمس تمضى التربية وهى تحمل مشروعا إسلاميا لنهضة الأمة الإسلامية أهم مفرداته أن لنا غاية واضحة محددة هى ابتغاء مرضاة الله وحسن مثوبته، وأن الباعث التربوى لنا العمل على التمكين لدين الله وفق المنهج الصحيح لدين الله؛ وأن لدينا رسالة واضحة هى إرشاد البشرية لتعاليم الإسلام؛ ولنا مهمة واضحة هى الإصلاح الشامل الذى يتعاون عليه أبناء الأمة؛ بدءا من تربية الفرد حتى أستاذية العالم، ومن ثم تستطيع الدعوة أن تؤدى دورها الأساسى والرئيسى فى مشروع النهضة وتحقق نقلة نوعية فى العمل التربوى وتسعى لتحقيق ريادة الجماعة للعمل الإسلامى فى مصر وعالمنا العربى والإسلامى، "وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا".