بدأت كلمتى أمام المؤتمر الثانى لدول البحر المتوسط الذى عقد فى برلين يوم 25 إبريل 2013؛ بأن أوروبا قد جربت طريق الإسلاموفوبيا، وعليها الآن أن تراجع نفسها وتقيم تجربتها وتسأل نفسها: ماذا حققت؟!! إن أهم مفاتيح الاستقرار فى العالم هو تحقيق التفاهم المتبادل والمشترك، وأنه يجب على أوروبا أن تفهم الإسلام بشكل شامل، وأن تبحث عن علاج لعقدتها فى الخوف من الإسلام، وتكف عن إثارة الكراهية ضده لكى تستطيع أن تقيم علاقات مع الدول العربية بعد ثورات الربيع العربى. ومصطلح الإسلاموفوبيا يعنى عقدة الخوف المرضى من الإسلام، وهذه العقدة غرستها فى قلوب الكثير من الأوروبيين وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدنى. يمكن أن نلاحظ أيضًا أنه جرى التوفيق بين عقدتين؛ أولاهما تلك التى تشكلت خلال فترة الاحتلال الأوروبى لبلاد العالم الإسلامى، وهى تقوم على استعلاء الأوروبيين وشعورهم بالتفوق العرقى والعلمى والتقدم المادى. لعبت تلك العقدة دورها فى إقناع الأوروبيين بأنهم يجب أن يسيطروا على بلاد المسلمين المتخلفين. لكن العقدة الثانية وهى الإسلاموفوبيا تم تشكيلها والترويج لها لإقناع الغربيين بشكل عام بأن عليهم أن يواجهوا خطر المسلمين عليهم، ومن ثم جرى تصوير المسلمين بأنهم إرهابيون يستخدمون وسائل العنف، وقد بلغت تلك العقدة ذروتها عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر. كانت أمريكا اللاعب الرئيسى فى تشكيل العقدة الثانية، والترويج لها، التى ارتبطت بالعمل على إقناع شعوب أمريكا وأوروبا بضرورة شن الحرب على أفغانستان والعراق. واستخدمت أيضا هذه العقدة فى إقناع المؤسسات السياسية مثل البرلمانات بتأييد الحكام العرب المستبدين الذين ينتهكون حقوق الإنسان، ويتعارض حكمهم مع قواعد الديمقراطية، وأدرك الحكام المستبدون العرب ذلك فبالغوا فى اضطهاد الحركات الإسلامية، خاصة تلك التى سعت إلى الدخول فى العملية السياسية فى محاولة لإرضاء أمريكا وأوروبا، وأن هؤلاء الحكام هم الذين يقومون بحماية المصالح الأمريكية والأوروبية من خطر وصول الإسلاميين إلى الحكم، وبالفعل حدث التوافق والتكامل بين الحكام المستبدين وعلى رأسهم مبارك وأمريكا وأوروبا، وهذا يعنى أن أمريكا ودول أوروبا شركاء فى الاضطهاد والقهر والفساد الذى قام به الحكام العرب المستبدون ضد شعوبهم. كما أن الحكام العرب المستبدين قد سهلوا لأمريكا وأوروبا عملية نهب ثروات الشعوب العربية، فى الوقت الذى سهلت فيه البنوك والشركات الأوروبية والأمريكية للحكام العرب المستبدين عملية نقل تريليونات الدولارات التى كانت حصيلة عملية فساد وإفساد. نتج عن كل ذلك خلق الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها الدول العربية بعد الثورات مثل مصر وتونس وليبيا، فالناس فى هذه الدول تعانى من الفقر بينما تتكدس أموالهم التى سرقها الحكام الفاسدون فى بنوك أمريكا وأوروبا، وترفض هذه الدول إعادتها، حيث تسهم فى توفير حلول للمشكلات الاقتصادية التى تعانى منها دول الربيع العربى. هذا يعنى أن هناك جريمة تاريخية قد ارتكبت فى حق الشعوب العربية، وأن أمريكا وأوروبا تتحمل المسئولية عن هذه الجريمة، فهى دعمت الحكام العرب المستبدين وسكتت عن ظلمهم وقهرهم لشعوبهم، وأسهمت فى نهبهم لثروات بلادهم وهى الآن ترفض إعادتها. والإسلاموفوبيا لعبت دورًا فى تبرير هذه الجريمة التاريخية.. يضاف إلى ذلك أن النظم العربية المستبدة التى سقطت فى مصر وتونس وليبيا -وهى نظم علمانية رأسمالية تابعة لأمريكا- لم تكن فقط ضد نظام حكم ديكتاتورى فاسد، لكنها أيضًا ضد التبعية والاستعمار بكل أشكاله، وضد النهب والاستغلال الغربى. ودول أوروبا وأمريكا حتى الآن تقوم بدعم القوى الليبرالية العلمانية المتحالفة مع أركان النظام السابق من الفاسدين لإسقاط النظم التى اختارتها الشعوب بإرادتها، وزيادة حدة المشكلات الاقتصادية عن طريق المضاربة بأسعار الدولار وشراء كميات كبيرة منه من البنوك وتهريب السولار، وخلق الاضطرابات واستغلال المظالم التى تعرضت لها فئات المجتمع فى العهد البائد، وخلق المناخ لإشعال ثورة جياع بهدف إقامة حكم علمانى ليبرالى يرتبط بالغرب، ومن المؤكد أن أمريكا وبعض الدول الأوروبية قد دعمت القوى الليبرالية العلمانية لتحقيق أملها فى إسقاط ما يعرف بالإسلام السياسى. وفى الوقت الذى تستخدم فيه قنوات التليفزيون المصرية لإشعال الفتن وترويج الكراهية ضد التيار الإسلامى، فإن أجهزة الإعلام فى أمريكا ودول أوروبا ما زالت تروج للإسلاموفوبيا، لكن يجب أن تدرك أوروبا تحديدا أنها تمر بأزمة اقتصادية تتزايد حدتها مع الزمن ولن تنجح تلك الحقن المسكنة التى يضخها الاتحاد الأوروبى فى اقتصاديات بعض دوله. إن الحل الوحيد أمام أوروبا هو بناء علاقات تعاون وتبادل المصالح المشتركة مع الدول العربية وإفريقيا، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالاعتراف بالإسلام كحقيقة واقعية، والتعامل معه دون خوف أو كراهية أو استعلاء أو رغبة الهيمنة والسيطرة. يجب أن تدرك أوروبا أن الإسلاموفوبيا أصبحت تشكل خطرا على أوروبا نفسها.