طالب مثقفون وأكاديميون وسائل الإعلام العربية والإسلامية المختلفة بضرورة لعب دور فعال في معالجة ظاهرة "عُقدة التخوّف من الإسلام" أو ما يعرف ب "الإسلاموفوبيا" المتنامية في الغرب، وتصحيح الصورة غير الحقيقية عن الإسلام التي تروج لها الآلة الإعلامية الغربية. وأكد المشاركون في الجلسة الصباحية الثانية لثاني أيام المنتدى الإعلام العربي في دبي، والتى عقدت تحت عنوان "صناعة الإسلاموفوبيا: هل يُصحح الإعلام إدراك العرب والغرب؟"، على أهمية أن يتوازى ذلك مع فهم الظاهرة بأبعادها المختلفة لمعالجتها بالعقل والحكمة والوصول إلى الحلول الصحيحة لها، لأنها ظاهرة متشابكة تساهم في صنعها السلوكيات الفردية الخاطئة لبعض الأفراد والتي تخالف التقاليد الإسلامية والتي ترسخ الصورة السلبية للمسلمين عند الغرب. شارك في الجلسة التي أدارها الإعلامي "عبد الله المديفر"، من قناة "روتانا خليجية"، المدير العام لشركة "أصيلا" للإنتاج الإعلامي السعودي، كل من: عبد العزيز التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ورشيد الخيون، الباحث المتخصص في التراث والفلسفة الإسلامية، وسعيد اللاوندي، الكاتب والخبير في العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وناثان لين، رئيس تحرير “أسلان ميديا”، والباحث في جامعة جورج تاون، الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتناولت الجلسة بالتحليل ظاهرة "الإسلاموفوبيا" والعوامل التي أفرزتها ومكونات وأدوات صناعتها، والأهداف الكامنة وراءها، وأثارت النقاش حول السبل والوسائل الكفيلة بمواجهتها بوصفها تزييفاً للتاريخ والحقيقة من جهة، ولكونها تحريضاً صريحاً ضد العرب والمسلمين وعاملاً هدّاماً من عوامل إثارة الفتنة والفُرقة بين الأمم والشعوب. واعتبر "عبد العزيز التويجري" أن ظاهرة الإسلاموفوبيا والتي تعد أحد أهم موضوعات الساعة، ليست بجديدة على المشهد بل بالعودة للتاريخ نجد أن الحث على كراهية الإسلام والتخويف منه ظاهرة قديمة في الفكر الغربي منذ الإمبراطورية الرومانية التي أوجست خيفة من الدين الإسلامي الذي يستهوي العقول والقلوب مما استدعى تكوين جبهة تخوف منه. وأوضح أن "الإسلاموفوبيا" ربما تكون حديثة في المعنى لكنها قديمة في المضمون، لافتا إلى أن هذا المصطلح الذي ظهر في عام 1987 بات يشكل تحديا كبيرا، لأنه روّج لخوف يترتب عليه خلق الكراهية تجاه معظم أو كل المسلمين. وأشار "التويجري" إلى عدة اعتبارات يجب النظر إليها في الحديث عن الظاهرة، أبرزها قيام المروجين لها باستدعاء رواسب الماضي لتقويض الانتشار الواسع للإسلام وإحباط التقدم والتنمية التي تشهدها الدول الإسلامية، مؤكدا أن هذا الوضع ليس من تداعيات أحداث 11سبتمبر كما يدّعى البعض، لكنها البركان الذي يحرك الكوامن في النفوس، مشيرا إلى أن كراهية المسلمين قديمة، رسختها ملحمة "رونالد" التي تدرس في الجماعات والتي تعتبر من أهم مرتكزات الغرب لتكوين هذه الرؤية عن الإسلام والمسلمين ويبنى عليها الغربيون تصوراتهم عن الإسلام. وتطّرق "التويجري" للحديث عن مرحلة الدراسات الاستشراقية التي ساهم بعضها في تشويه التاريخ الإسلامي وقلب الحقائق، رغم وجود عدد من المستشرقين المنصفين، لافتاً كذلك إلى أن الإسلاموفوبيا كظاهرة تخالف الميثاق الدولي والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر أي دعوة تحرض على التمييز والعداوة والعنف، لهذا تدخل الإسلاموفوبيا في هذا الإطار، مشيرا إلى أنها ظاهرة ضد حركة التاريخ والقانون الدولي وإرادة حكماء العالم، وتقوّض جهود الحوار بين الثقافات. وأكد "التويجري" أن هناك بعض العوامل الأخرى الداخلية في المجتمعات الإسلامية والسلوكيات التي لا تتفق مع تقاليد الدين الإسلامي، التي تغذي هذه الظاهرة حيث يتلقى الطرف الآخر أن الإسلام يتعارض مع الحضارات الأخرى. وقال إنه يمكن التعامل مع هذه الظاهرة بحكمة لتقديم تصور سليم والعمل على تصحيح المواقف التي نراها في المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين، بمساعدة التجمعات المسلمة في هذه البلدان بتقديم الصورة الصحيحة عن الدين، مطالباً أن يعمل الإعلام في المجتمعات العربية وفي الغرب كذلك على نقل الحقائق وعدم إغفالها، مؤكدا أنه ليس من الصواب أن نحكم على الغرب بأنه كله شر أو وضعه في سلة واحدة، مشددا على أهمية أن يكون الإعلام الغربي منصفاً، كما أن علينا أن نقبل النقد لأننا لا نخلوا من العيوب. بدوره اتفق "ناثان لين" مع "التويجري" في الكراهية المسبقة عند بعض الغرب للمسلمين، مشيرا إلى أن هذه الكراهية التي تولدت عن الخوف تشكّل "صناعة" وليست ظاهرة وأنها منتج دام لسنوات يصنع ويباع من قبل الآلات الإعلامية في الغرب، مشيرا في هذا الإطار إلى أحدث عمليات تفجير شهدتها بوسطن في الولاياتالمتحدة وكيف ساهمت بعض وسائل الإعلام في الإشارة بإصبع الاتهامات لأشخاص من ملامح شرق أوسطية من خلال استقدام خبراء ومحللين يكررون الكلام ذاته، الأمر الذي يعكس رغبة هذه القنوات الإعلامية في تحقيق أعلى نسبة مشاهدة وتحقيق عائد أكبر من الإعلانات. وأكد "لين" أن معظم ما نراه في الغرب من شعور معاد للإسلام والكراهية التي يبديها البعض ربما لا يكون مغرضا في جوهره بقدر ما هو نتاج جهل لحقيقة هذا الدين. من جهته، أشار رشيد الخيون إلى الاستخدام السيكولوجي لمصطلح "الفوبيا" أو "العقدة" وربطه بالإسلام إذ يرمز عند أطباء النفس إلى الخوف والإرهاب والفزع، متسائلا: هل الإسلاموفوبيا صناعة إعلامية أم لها أصل حقيقي؟ وقال يجب ألا نوجّه الشك فقط للطرف الآخر دون أن نلتفت إلى أنفسنا وما لدينا، مشيرا إلى ضرورة صياغة العلاقة مع الغرب في إطار الذي نريد أن يراه الغرب فينا كما يفعل الغرب معنا. وأوضح أن السلوكيات هي التي تصنع "الفوبيا" من الإسلام سواء كانت في الداخل أو الخارج، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة يمكن معالجتها عبر الحوار بين الأديان وإبراز أن المسلم ذاته متضرر مما يحدث من عنف. إلى ذلك أكد "سعيد اللاوندي"، أن الإسلاموفوبيا هي ظاهرة حديثة فمن خلال إقامته في فرنسا على مدار 20 عاماً خلال الفترة من عام 1980 وحتى عام 2000، لم يلحظ تنامي هذه الظاهرة حيث لم يُسأل أبدا طوال هذه الفترة عن هويته وجنسيته وديانته، لكنه بعدما غادر فرنسا وعاد إليها في زيارة في السنوات الأخيرة تم سؤاله أكثر من مرة عن نتيجة تفشى ظاهرة الإسلاموفوبيا مؤخراً. وتطرق اللاوندي إلى الانعكاسات التي تخلفها الظاهرة على حياة 26 مليون مسلم يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي والذي يشكلون بعددهم هذا شبه دولة داخل أوروبا، فضلا عن دخول نحو 63 أوروبيًا للإسلام يوميا وفقا لإحصاءات مكتب الهجرة في فيينا. وقال إن "الإسلاموفوبيا" بدأت تزداد في المجتمعات الغربية بدعم آلة الإعلام الغربية التي تربط بين كل حدث إرهابي وبين المسلمين، الأمر الذي انعكس على التعامل الرسمي الغربي مع كل مسلم يأتي من الشرق الأوسط أو يحمل أحد الأسماء الشهيرة في الإسلام، على أنه إرهابي حتي يثبت العكس .