تبقى الهوية الحضارية الإسلامية هى المكون الرئيسى للشخصية العربية والإسلامية، وهى مصدر القوة الحقيقية فى بناء هذه الشخصية وفى حياتها وفى بناء حضارتها ومجدها، وكذلك قدرتها على مواجهة التحديات، وقد أدرك أعداء هذه الأمة هذه الحقيقة، فحاولوا عبر قرون عديدة الفصل بين هذه الشخصية وهويتها وإسلامها حتى نجحت فى إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية صاحبة المجد التليد، التى كانت رمزا لقوة المسلمين ووحدتهم، وبذلك باعدوا بين الإسلام والدولة، وبين الإسلام وأحد أهم أصوله وهو الحكم، وحاولوا أن يجعلوا ذلك أساسا راسخا فى البلاد العربية والإسلامية وربوا أجيالا من بنى جلدتنا يتحدثون بلغتنا ويعيشون بيننا ويدينون بديننا تبنوا هذا الفكر وجعلوه لأنفسهم منهج حياة.. فأعداء الإسلام يعلمون أن عودة الإسلام إلى الحكم تعنى القضاء على سيطرتهم وهيمنتهم ونفوذهم الذى لم يصلوا إليه إلا بإبعادنا عن جوهر ديننا ورسالتنا وأخلاقنا. فها هو لويس التاسع قائد الحملة الصليبية السابعة يوجه وصيته لأتباعه بعد هزيمته الساحقة فى معركة المنصورة الخالدة 1249م، وأسره فى دار ابن لقمان بالمنصورة، وإطلاق سراحه بعد دفع فدية كبيرة، فيقول: إنه لا سبيل إلى النصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوة الحربية؛ لأن تدينهم بالإسلام يدفعهم إلى المقاومة والجهاد وبذل النفس فى سبيل الله لحماية ديار الإسلام وصون الحرمات والأعراض، والمسلمون قادرون دوما على الانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد ودحر الغزاة.. وأنه لا بد من سبيل آخر، وهو تحويل التفكير الإسلامى وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكرى بأن يقوم العلماء الأوروبيون بدراسة الحضارة الإسلامية ليأخذوا منها السلاح الجديد الذى يغزون به الفكر الإسلامى، ثم وضع هذه الوصية فى نقاط محددة قائلا: إنه يمكن الانتصار على المسلمين من خلال السياسة باتباع الخطوات التالية: 1- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين وتوسيع شُقتها ما أمكن حتى يكون ذلك عاملا على إضعاف المسلمين. 2- عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية من أن يقوم فيها حُكم صالح. 3- إفساد أنظمة الحكم فى البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة. 4- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحى فى سبيل مبادئه. 5- الحيلولة دون قيام وحدة من أى نوع فى المنطقة. 6- العمل على قيام دولة غربية فى المنطقة العربية تمتد حتى تصل إلى الغرب. وها هو المستشرق (شاتلى) يوجه رسالة أخرى فيقول: إذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتدحضوا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التى قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، التى كانت السبب الرئيسى لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسيادتهم وغزوهم للعالم، عليكم أن توجهوا جهودكم لهدم نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وقرآنهم، وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوى حتى ولو لم نجد منهم إلا السذج والبسطاء لكفانا. هذا نذر يسير من مخططات هدم هذه الأمة عن طريق إبعادها عن دينها وعقيدتها وجهادها. وفى تقديمه لكتاب الفكر السياسى للإمام حسن البنا للدكتور إبراهيم البيومى غانم يقول المستشار طارق البشرى: حتى بدايات القرن العشرين كانت الحركات الوطنية فى بلادنا مرتبطة بالإسلام لا تكاد تنفصل عنه، وكانت الشعوب العربية والإسلامية وهى تقاوم الاحتلال إنما تنهض تحت راية الإسلام، وبهذا التصور نفهم حركة عبد القادر الجزائرى فى الجزائر، وحركة عبد الكريم الخطابى فى المغرب، وحركة السنوسى فى ليبيا، وحركة المهدى فى السودان، وكذلك الحركات الوطنية فى مصر من جمال الدين الأفغانى إلى مصطفى كامل.. ولم تكد الحرب العالمية الأولى تنتهى حتى انهارت الدولة العثمانية وتم اتخاذ إجراءات بالغة الحدة لتصفية كل أثر للإسلام يُعد نظاما للحياة وأساسا للشرعية الاجتماعية والسياسية، وتسبب ذلك فى نفض عقد المسلمين وشتت شملهم فباتوا لا يرون جهة أو هيئة يتجهون إليها لتكون جامعا لهم... ومع نهاية العشرينيات من القرن العشرين بدأ الفكر العلمانى يعمل بإصرار على السيطرة على أوضاع المجتمع كاملة، وأن ينفصل الدين عن كل شئون المجتمع ويُنشئ نظاما وضعيا صرفا.. وبدأت حركات التبشير تعمل بين المسلمين ولم تكن تجرؤ على هذا قبل ذلك التاريخ، وبدأت عملها فعلا بعد أول مؤتمر معلن عقده المبشرون فى القدس عام 1924 تحت شعار (تنصير العالم فى جيل واحد) فى عام سقوط الخلافة الإسلامية نفسه كل ذلك تزامنا مع محاولات فرض العلمانية.. وكذلك المحاولات الحثيثة لزرع الكيان الصهيونى الغاصب فى جسد الأمة العربية والإسلامية. هذا السرد التاريخى حتى نعلم حقيقة المعركة، وأنها لن تكون سهلة؛ لأن هؤلاء يدافعون عن وجودهم وسيطرتهم وزعامتهم، ومن هذا التاريخ لا بد أن ننطلق لنبنى حاضرنا ونشيد مستقبلنا على أساس متين هو هذا الدين. أيها الإخوة لقد بدأ الإسلام يعود إلى الحكم من جديد بعد تغييبه لعشرات السنين من أجل دعوات فارغة وتبعية مقيتة للشرق والغرب.. وهم يعلمون أن ذلك معناه بناء الشخصية العربية والإسلامية من جديد على مبادئ الرجولة والجهاد والتضحية والإيجابية.. تلك المعانى التى حاولوا إبعادنا عنها قرونا عديدة؛ لأن ذلك يعنى عودة القيادة إلينا من جديد وإنهاء سيطرتهم وهيمنتهم، فلا نضيع هذه الفرصة التاريخية ولنقف جميعا فى وحدة وعزيمة وقوة لاستعادة المجد التليد.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.