تأتي مشاركة الرئيس محمد مرسي في احتفالات اليوبيل الذهبي لمنظمة الوحدة الإفريقية، وبالدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الاتحاد الإفريقي، للمساهمة في تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية وهو ما يصب في التوجه نحو مزيد من تحرر إرادة مصر والشعوب الإفريقية. ففي كلمة خلال أعمال الدورة التاسعة والعشرين للجنة توجيه "النيباد" في العاصمة إثيوبية "أديس أبابا" التي عقدت أمس الأول السبت، دعا الرئيس محمد مرسي زعماء الدول الإفريقية لتعظيم مفهوم "الملكية الإفريقية" وزيادة الاعتماد على قدرات القارة الذاتية والتمسك بإرادتها السياسية المستقلة لتحقيق تطلعات شعوبها. وتأتي قمة الاتحاد الإفريقي تحت شعار "الوحدة الإفريقية الشاملة والنهضة الإفريقية" وهو مفهوم لا يروق للنظام العالمي الحالي الذي اعتاد على التمتع بخيرات ذلك الجزء الغني والمتخلف والممزق من العالم. ولم تكن دعوة مرسي هي الأولى التي تصدر من جهته لتمتين الوحدة الإفريقية. ففي يناير الماضي أكد الرئيس مرسي في كلمة - ألقاها نيابة عنه محمد كامل عمرو وزير الخارجية أمام الدورة العادية العشرين لقمة الاتحاد الإفريقي- على أن "مصر تستعيد روحها الإفريقية ويسعى شعبها إلى تعزيز علاقاته بالشعوب الإفريقية الشقيقة التي يرتبط بها إنسانيا وتاريخيا وجغرافيا حتى أن الدستور المصري الجديد الذي صاغه الشعب بنفسه لأول مرة في تاريخ مصر قد أكد على الاعتزاز المصري بالانتماء للقارة الإفريقية، فيما يشير وبكل وضوح إلى رسوخ العمق الإفريقي في القلوب والعقول المصرية". ويأتي توجه الرئيس مرسي كحلقة في تمتين الروابط الخارجية لمصر، حيث عمل مرسي على تشجيع ازدهار العلاقات بين مصر ومحيطاتها الأربع العربية والإفريقية والإسلامية والعالمية. وبالنسبة لإفريقيا على وجه الخصوص، فقد كان هناك تراجع كبير في العلاقات المصرية الإفريقية خلال النظام السابق، وعليه سارع الرئيس مرسي بالعمل على إعادة الدفء لعلاقات مصر بمحيطها الإفريقي. وبدا ذلك في أنه من أوائل زياراته الخارجية كانت لأثيوبيا حيث شارك في قمة المؤتمر الإفريقي بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وهي زيارة لم تحدث منذ عام 1994 عقب محاولة اغتيال الرئيس المخلوع مبارك هناك. وظهر تفاعل الدكتور محمد مرسي مع أحداث القارة الإفريقية بموقفه الرافض للتدخل العسكري الفرنسي في مالي ودعمه لحل الصراع هناك على المستوى الإفريقي. كما شاركت مصر برئاسة الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء المصري في قمة الساحل والصحراء هذا الأسبوع للتفاعل مع قضايا المنطقة البيئية وغيرها. وفي محاولة لعمل توازن بين مصالح مصر الخارجية والداخلية، تعمل الإدارة المصرية مع دول حوض النيل على الوصول لحلول مرضية فيما يخص عدم تأثر حصة مصر من مياه النيل وحق بعض تلك الدول في إقامة مشروعات على نهر النيل دون التأثير على حقوق الدول الأخرى. وظهر اهتمام مصر بإفريقيا في استنكار محمد كامل عمرو وزير الخارجية مؤخرا لتساؤل البعض عن الوقت الذي تستعيد فيه مصر دورها، قائلا إنه رغم ما تمر به البلاد من أحداث إلا أن هناك تقدما ملموسا والسياسة الخارجية، ضاربا مثالا لذلك بقوله "كان مما تُتهم به السياسة الخارجية المصري ضعف الاهتمام بإفريقيا؛ لكن ماذا حدث الآن، تم زيارة سبع دول إفريقية في جولة واحدة. ولأول مرة يتم الاتفاق على أن تجتمع إثيوبيا والسودان ومصر لدراسة آثار سد يبنى في إثيوبيا، رغم أنه في السابق كان يُقال هذا عمل سيادي ولا يتدخل فيه أحد. أليس هذا بتحرك؟ أليس هذا بتوجه جديد؟". وأكد الوزير على فكرته بقوله "عندما تكون واحدة من أولى زيارات رئيس الدولة للقمة الإفريقية ويجتمع على هامش هذه القمة بعدد كبير من الرؤساء الأفارقة. العلاقات على مستوى القمة حينما يجلس الرؤساء مع بعضهم هو أمر مهم جدا ويختلف عنه حينما يجلس الفنيون مع بعضهم". كما وصف وزير الخارجية في لقاء آخر استضافة مصر للقمة المرتقبة للتكتلات الإقليمية الثلاثة، الكوميسا والسادك وتجمع شرق إفريقيا، بأنها تنبع من حرص مصر على مواصلة دعمها لمسيرة التكامل الإفريقي، كما تأتي لتحقيق التجانس بين سياساتها وبرامجها، وبما يمثل خطوة مهمة على صعيد تحقيق الاندماج الإقليمي وإقامة السوق الإفريقية المشتركة. والمتابع لتحركات الرئيس مرسي الخارجية يجد أنه يحفز تكوين كيانات ناهضة جديدة بعيدا عن واقع النظام العالمي الذي يدور في الفلك الغربي؛ بما يصب في أهداف الثورة المصرية التي تمثلت في الاستقلال والحرية والعدالة بالإضافة للريادة. فقد تدعم وجود مصر في منظمة التعاون الإسلامي والتي ترأسها مصر حاليا، كما شاركت في قمة عدم الانحياز، وزار الرئيس مرسي جميع دول مجموعة "بريكس" الخمسة الاقتصادية الصاعدة، ودعا لتكوين لجنة رباعية من مصر والسعودية وتركيا وإيران لحل الأزمة السورية. ومع مشاركة الرئيس محمد مرسي في القمة الاستثنائية لقادة دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، برزت العديد من القضايا التي يتناولها الرئيس والتي تمس مسائل حيوية للشعب المصري وعلى رأسها قضية مياه النيل، والتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الإفريقية. وأكد السفير إيهاب فهمي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، على هذا المعنى بقوله "إن الرئيس مرسي حريص على أن تقوم العلاقات بين الدول الإفريقية على أساس التعاون والتكامل وعدم الإضرار بمصلحة الآخر"، مشيرا إلى أنه سيتم بحث كيفية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الإفريقية وذلك لمواجهة التحديات التي تشهدها القارة والحد من النزاعات المسلحة وتسويتها بما يسمح تحقيق تنمية شاملة في القارة.