إن سمات الجمال نوعان: سمات خارجية تبدو فى الشكل والمظهر، وسمات داخلية تكمن فى الطبع والمخبر، والمعروف أن الزمن ينال من الجمال الظاهر، فيخط خطوطا واضحة على وجوه الحسان، فيتغير الحسن، ويتشوه ذلك الجمال الخارجى. أما الجمال الداخلى؛ الذى يسميه الناس جمال الروح، والذى يتأتّى من هدوء الطبع، وحسن الخلق، وحلو المعشر، وعذوبة الكلام، وجمال الابتسام، ورقة المشاعر، فهو النوع الدائم من الجمال، وهو الجمال الحق الذى لا يستطيع الزمن أن ينال منه، وما يزيد من دوام نضرته هو التفاؤل والبشر، ذلك الذى يزيد صاحبه حُسنا وبهاء كلما مرت عليه الأزمان. إن التفاؤل من أعظم سمات الجمال، والتفاؤل كلمة حلوة رائعة، وَقْعُها على الآذان جميلٌ، وهى تسحر القلوب وتأخذ بالألباب، وتبعث فى الصدر انشراحا وفرحا، وهى نور يستضىء المرء به فى حياته، وهى فيئ ظليل يلجأ إليه بعد عنائه، وهى واحة غنّاء يستظل بها فى قيظ الحياة، والتفاؤل انشراح فى القلب يصحبه حسن الظن بالله سبحانه، وهو خير وأمان، وهو فرح وسرور، وهو رزق موفور، والتفاؤل ينير ظلام اليأس، ويقشع ضباب الحزن، ويذهب بمرارة القلق من الحلوق البائسة، ويطرد ظلمة الخوف من القلوب الواجفة. إن التفاؤل فى حد ذاته جمال، لذلك ترى وجه المتفائل صبوحا.. مُضيئا.. متلألأ.. يشع نورا.. ويرى الناس فيه القناعة، ويفيض على مَن حوله الرضا، ويعطيهم الأمل، لذلك لا يرى الناس وجه المتفائل إلا جميلا. أما وجه المتشائم فلا تراه إلا عبوسا.. مظلما.. يوزع على من حوله اليأس، وينشر القنوط، فيبدو للناس وجها غير جميل، حتى لو كانت ملامحه متناسقة حلوة، فالتشاؤم شؤم لصاحبه، وبؤس فى الحياة، وظلمة فى القلب، وسواد فى الوجه. إن التفاؤل يجعلك متعقلا؛ والتعقل جمال؛ فكُن رزينا فى هيئتك، عاقلا فى أحكامك، وقورا فى كلامك، فلا تتعصب ولا تغضب ولا تخرج عن شعورك، واختر من تحاور، ولا تجادل من لا يريد أن يتعلم، فإنك ستجهد نفسك وتصل فى النهاية إلى لا شىء، ولا تجادل الغضوب، فحينما يغضب سيغلبك بصوته العالى، فمن المعلوم أنه عندما يغيب المنطق يعلو الصوت، ويرتفع الصراخ، ولا تجادل الجاهل الذى ليس لديه شىء تتعلمه منه، فستكون كمن يتكلم مع نفسه، ولا تجادل الأحمق فقد يخلط الناس فى التفريق بينكما وقت الجدل، ولا تظن أن كبر السن دليل الحكمة؛ فقد يفاجئك بعض الشباب رغم صغره بأسلوبه الناضج، وحبه للتعلم، وطريقته الراقية فى الحوار، وقد يصدمك بعض كبار السن بصغر العقل، وضعف المنطق، وتدنى الاهتمامات، والتركيز على سفاسف الأمور ودَنايا الأشياء. إن التفاؤل يدفعك إلى الاجتهاد؛ والاجتهاد إحدى سمات الجمال، وإن اعتماد الناس على الحظ فى سعيها نوع من الجهل؛ فلا يوجد حظ سعيد وآخر تعيس، بل يوجد شخص مجتهد وآخر كسول، ويوجد شخص دقيق فى عمله، وآخر يفتقد الدقة، ويوجد إنسان متوكل على الله بعد أداء كل ما عليه، وآخر متواكل لا يقوم بما عليه وينتظر نتيجة رائعة، ويوجد مَن يحسن الظن بالله، ويوجد من يغتنم الفرصة السانحة، ويوجد من يصل فى الوقت المناسب، ويوجد من يتكلم الكلام المفيد، ويوجد من يهيئ نفسه لِمَا يتوقع من الخير، ويوجد من يثق بعدل الله فيعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين.. وباختصار يوجد شخص متفائل وآخر متشائم، فالمتفائل فاعل يجنى ثمره، والمتشائم جالس ينتظر خبره. إن التفاؤل يفجّر جمال النفس الكامن؛ ويظهر جوهرها النفيس؛ والجواهر تحتاج مَن ينقب عنها؛ فلكى تكون جميلا؛ تفاءل بتغيير نفسك، فعبر عن نفسك بوضوح، وعبر عما بداخلك بكل صراحة، وإياك أن تشعر أن محدثك يتهمك، وعليك أن تدافع عن نفسك، فهذا إحساس مذموم بغيض، فقط لا تضع نفسك فى مواضع التهم، واجعل ثقتك فى نفسك هى الغالبة حينما تريد أن تتكلم، ثم قل كل ما لديك، ولا تَخَفْ من السخرية، وانطلق فى التعبير عن نفسك بلا وجل، ولا تخشى الهمز واللمز، فَقَطْ درّب نفسك جيدا كيف تعبر عما تريد، ثم لا تعمل لأحد أى حساب حينما تنطق بالحق، ولا تفكر فيما سيقوله لك، ولا تظن أنك ستغضبه بكلامك الصريح، ولا تقل إلا الرأى الذى يكون لديك ما يبرره، ولا تتكلم إلا فيما تفهمه جيدا، وتعرف نفسك تماما، وافهم مشاعرك فى كل موقف. إن التفاؤل يمنحك الثقة بالنفس؛ والثقة بالنفس جمال، فلكى تكون جميلا كن واثقا بنفسك، فاختر ما تحب، وتفاءل بأنك ستفعل ما تراه يناسبك، وفى أحيان كثيرة ستجد نفسك أمام اختيارين أو أكثر، فعليك أن تختار ما سيحقق أهدافك، وعليك أن تتحمل مسئولية اختيارك مهما كانت التضحية، فمن أراد الشىء عليه أن يدفع الثمن، وقد يكون ثمن النجاح كبيرا، ولكن النجاح سيعوضك عن كل شىء ضحيت به. إن التفاؤل يترجم حسن الظن بالله؛ وحسن الظن بالله والثقة فيما عنده جمال؛ فلكى تكون جميلا ثق بأن "لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" فإن تحقق الخير يستلزم حسن الظن بالله، واليقين بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل حى فى هذه الدنيا يموت ثم يحيا غيره ليأخذ دوره، لتظل الأرض عامرة وفق إرادة الله سبحانه، لكن حسن ظننا بالله أبدا لن يموت، ويقيننا بالله دوما أنه لن يخذلنا، وأنه سيمنحنا الخير، وسيتكرم علينا بالأجمل، وسيتفضل علينا بالأفضل؛ فليطمئن المؤمنون، وليهنأ العاملون، وليستبشر الواثقون، أما المجرمون فليفعلوا ما يشاءون، وليمكروا ما يمكرون، ولينفقوا ما يستطيعون، وليجتهدوا فى الشر حسب ما يقدرون، فإن الله ناصر عباده ودينه، فيقيننا أنهم سينفقون أموالهم وأوقاتهم وجهودهم ثم تكون عليهم حسرة، ثم يُغلبون، "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ". فهيا نتفاءل رغم الألم والمشكلات، وهيا نتفاءل حتى لو كان كل شىء لا يبعث على التفاؤل، فإن التفاؤل فى بيئة مفعمة بالألم يحولها إلى جو مملوء بالبهجة والأمل، وهيا نتفاءل لتتعلق قلوبنا بالله، ومن تعلق قلبه بالله نال ما عنده من خير. وهيا نتفاءل.. فالتفاؤل لا تجيده إلا القلوب الواثقة بالله، ولا تستطيعه إلا النفوس القوية، ولا تصنعه إلا الهمم العالية. وهيا نتفاءل.. حتى تشرق شمس يوم جميل، مملوء بالسعادة والأمل. وهيا نتفاءل.. فنشعل شمعة أمل تبدد ظلام اليأس، وتذهب وحشة النفوس، وترطب قيظ القلوب، وتبلل جفاف المشاعر، فيكون دائما القادم أفضل بإذن الله.. وهيا نتفاءل.. فلن نخسر مع التفاؤل شيئا، بل سيرتفع مؤشر سعادتنا، وسيزيد مخزون فرحنا، فيتجدد ثانية أملنا.. وهيا نتفاءل.. فالتفاؤل نهر رقراق يسرى فى فيافى الأمل، فيصل بنبعه السلسبيل إلى حيث تتحقق أمانينا، ويصب فى سويداء قلوبنا، فيغدق عليها مزيدا من الرضا. وهيا نتفاءل.. هيا نتفاءل .. فالتفاؤل سر الجمال.