* خبراء: المستورد أقل كفاءة لاختلاف البيئة ونوع الفيروس * مديرة معهد الأمصال: نملك مقومات تحقيق الاكتفاء الذاتى * د. سهير عبد القادر: جزء من الأمن القومى ومنتج إستراتيجى * د. موسى عبد الحميد: أخطاء أصحاب المزارع وراء انتشار الفيروس منذ ظهور أنفلونزا الطيور فى مصر سنة 2006، لم تنجح أى محاولات لإنتاج مصل محلى يفيد فى مقاومة هذا المرض الذى تسبب فى إصابة 176 شخصا توفى منهم 64 حالة فضلا عن خسائر مادية كبيرة لحقت بالثروة الداجنة وزادت عن 25 مليار جنيه حسب تقارير وزارة الزراعة. وكانت هناك محاولات من قبل المركز القومى للبحوث لإنتاج مصل محلى، لكنها غالبا كانت بهدف "الشو" الإعلامى قبل ثورة يناير، وبعد الثورة، عاد الأمل من جديد بعدما تمكن معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية من إنتاج حوالى 5 ملايين جرعة أثبتت كفاءتها، بالإضافة إلى حوالى 300 مليون جرعة ينتجها القطاع الخاص، وهى كميات لا تغطى سوى ثلث احتياجاتنا المحلية؛ لأننا نستورد سنويا حوالى مليارا ونصف المليار جرعة. وهناك من الخبراء من يرى أن ما تم إنتاجه من لقاحات مضادة لفيروس أنفلونزا الطيور محليا على درجة عالية من الكفاءة، ولكنه لا يحقق الحد الأدنى من الاكتفاء، ويتم توفير باقى الجرعات من خلال الاستيراد، رغم أن اختلاف المناخ ونوع الفيروس الذى يتم تصنيع اللقاح منه يقلل من درجة كفاءة المستورد فى مواجهة المرض، وهذا هو سبب توطنه فى مصر طيلة هذه السنوات. كما يرون أن التوسع فى النشاط غير الرسمى فى تجارة الدواجن يعد من بين العوامل التى تعطل جهود السيطرة على المرض؛ نظرا لعدم التزام المربين بمعايير السلامة والأمان الحيوى فى المزارع، خاصة أن نسبة هذا النشاط تزيد عن 70% من حجم الإنتاج الداجنى فى مصر. وللتعرف على مدى قدرة المعامل والمصانع المصرية على إنتاج لقاح مقاوم لمرض أنفلونزا الطيور اقتربنا من خبراء الطب البيطرى ومصنعى اللقاحات البيطرية والأوساط المسئولة لننقل الصورة على الطبيعة.. فكان هذا التحقيق: اكتفاء ذاتى فى معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية بالعباسية، وهو المعهد الرسمى الوحيد فى مصر لإنتاج اللقاح الحيوانى، بالإضافة إلى الشركات الخاصة التى تنتج هى الأخرى حوالى 300 مليون جرعة سنويا، المبنى قديم ومتهالك، وهناك عملية لإقامة مبنى جديد لإنتاج لقاح أنفلونزا الطيور فقط، وتم تخصيص مبلغ 12 مليون جنيه لهذا الغرض. تقول د. سهام عبد الرشيد مديرة المعهد: إن توفير لقاح محلى مضاد لمرض أنفلونزا الطيور من أهم الأمور التى تشغل مسئولى المعهد منذ ظهور المرض عام 2006. وتضيف أن ضعف الإمكانات نظرا لغياب دعم الدولة للمعهد فى العهد البائد أسهم فى عدم القدرة على إنتاج كميات كبيرة من الجرعات تتناسب مع انتشار المرض فى الثروة الداجنة، ولم نتمكن سوى من إنتاج 5 ملايين جرعة بالتعاون مع المركز القومى للبحوث، وهى كمية لا تغطى سوى نسبة ضئيلة جدا من الاحتياجات، حيث يتم فى المقابل استيراد أكثر من مليار ونصف المليار جرعة سنويا من دول مختلفة، على الرغم من أن الإنتاج المحلى هو الأكثر كفاءة لأنه مُصنع من (العترة المحلية) نفسها، وهى نوع الفيروس نفسه الموجود فى مصر. وأشارت إلى أنه مع نهاية العام الماضى بدأت الدولة تستجيب لمتطلبات معهد الأمصال، ورصدت 12 مليون جنيه لإنشاء مبنى خاص لأنفلونزا الطيور بالمعهد، ويجرى الآن تجهيزه، كما تمت الموافقة على شراء أجهزة حديثة للمبنى بتكلفة تزيد عن 10 ملايين جنيه، وسوف يتم توريد وتركيب الأجهزة خلال 6 أشهر بعد الانتهاء من التجهيز الكامل للمبنى. وأوضحت مديرة معهد الأمصال، أنه فى حال إتمام تلك الترتيبات سوف يتمكن المعهد من إنتاج 400 مليون جرعة سنويا يمكن أن تزيد بشكل سنوى إلى أن نتمكن من تحقيق القدر الأكبر من الاكتفاء الذاتى من المصل. موضحة أن ما يتم توفيره من لقاحات سوف يتم تقسيمه على جهتين، هما الهيئة العامة للخدمات البيطرية التى ستتيح المصل من أجل تحسين التربية المنزلية من الثروة الداجنة، والباقى سيطرح من خلال منافذ البيع بمعهد الأمصال واللقاحات. منتج إستراتيجى وأمن قومى أما د. سهير عبد القادر -رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائى بالهيئة العامة للخدمات البيطرية- فتشير إلى وجود مساع جادة من قِبل معهد بحوث الأمصال واللقاحات، وكذلك إحدى الشركات الخاصة لتوفير لقاح محلى لمقاومة فيروس أنفلونزا الطيور، وقد تم بالفعل إنتاج كميات من اللقاح والتأكد من كفاءتها، ولكن لا تزال السعة الإنتاجية ضعيفة، ولا تكفى الحد الأدنى من الاحتياجات المحلية من اللقاح الذى يمكن اعتباره منتجا إستراتيجيا وجزءا من الأمن القومى. وتضيف د. سهير أن ما أنتجه المعهد لا يتجاوز 5 ملايين جرعة أوشكت على النفاد، ولم يتبق منها سوى مليون ونصف مليون جرعة فقط، ولا تزال الدفعة الثانية فى معمل الرقابة يتم فحصها وتقييمها ولم تطرح بعد فى الأسواق. أما بالنسبة للشركة الخاصة، فتضيف د. سهير، أن السعة الإنتاجية لها تتراوح بين 300 إلى 600 مليون جرعة سنويا، وهو رقم متواضع إذا ما تم مقارنته باحتياجنا المحلى من المصل، وهو ما يعنى أن ما يتم توفيره لا يحقق ثلث ما هو مطلوب. وأرجعت ذلك إلى ضعف الإمكانات، على الرغم من أن معهد الأمصال واللقاح لديه كفاءات علمية متميزة، لكن ما زالت المعامل تعانى من ضعف الإمكانات المادية والأجهزة المعملية الحديثة، التى إذا توفرت ستسهم بشكل كبير فى تغطية الاحتياجات المحلية والتصدير للخارج، مؤكدة أن الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية وتضافر الجهود دون إلقاء الأعباء على الحكومة وحدها، وأن يشارك القطاع الخاص فى تحمل المسئولية. وأضافت رئيس الإدارة المركزية للطب الوقائى أن تحقيق الاكتفاء الذاتى من اللقاح سيكون له أثر كبير فى القدرة على مواجهة المرض؛ لأن المصل المستورد مهما بلغت كفاءته لا يتناسب مع البيئة المصرية، وعادة ما يكون مصنعا من نوعية مختلفة عن الفيروسات الموجودة فى مصر، ومن ثم تكون درجة كفاءته أقل، عكس الحال لو تم إنتاجه محليا؛ فإنه سيكون من نوعية الفيروس نفسها، وبالتالى تكون درجة كفاءته أعلى. وأوضحت أن ذلك كان أحد أسباب نجاح إندونيسيا فى السيطرة على المرض؛ حيث تمكنت من تخفيض نسبة الإصابة إلى 85% من خلال اعتمادها على إنتاج اللقاحات المناسبة لنوع الفيروس نفسه الموجود هناك، وليس على اللقاحات المستوردة. وأضافت أن من بين المشكلات التى تعترض الجهود المبذولة لمواجهة الفيروس هو القطاع العشوائى فى تربية الدواجن، الذى تزيد نسبته عن 70% من مزارع التسمين، وهو نشاط اقتصادى ضخم يتكسب من ورائه الملايين، ولكن لا يتم الالتزام فيه بمعايير السلامة والأمان الحيوى؛ مما يجعله مصدرا من مصادر زيادة معدلات الإصابة، ونحن نسعى بقدر الإمكان إلى زيادة الاهتمام بالقطاع النظامى؛ لأن من شأن هذا أن يسهم فى تخفيض نسبة الإصابة فى هذا القطاع. وحسب عبد القادر، فإنه بالرغم من كل هذه المصاعب التى تواجه القطاع البيطرى لمقاومة فيروس أنفلونزا الطيور، إلا أن هناك نجاحا ملموس على أرض الواقع، حيث تعتبر مصر من أقل الدول من حيث حالات الإصابة والوفيات، وهو المعيار الذى يقاس به مدى نجاح الدولة فى السيطرة على المرض. إهمال المربين من جانبها، أكدت سعاد عبد العزيز -رئيس المعمل المركزى للرقابة البيطرية على الإنتاج الداجنى بمعهد بحوث صحة الحيوان- أن لدينا مجموعة كبيرة من اللقاحات الخاصة بفيروس أنفلونزا الطيور، لكن لا يزال الفيروس شديد الخطورة، ليس بسبب ضعف كفاءة اللقاحات بقدر ما هو بسبب غياب الأمان الحيوى فى المزارع. وتتابع أنه لا يتم الالتزام بالاشتراطات اللازمة لتحقيق السلامة، وأهمها تربية نوع واحد من الطيور، وفى عمر واحد، والاهتمام بوضع المطهرات، وإحاطة المزرعة بأسلاك حديدية تمنع دخول الحيوانات الضالة، مع ضرورة التقليل من الزيارات، وعدم دخول سيارات الأعلاف وجمع البيض داخل المزارع؛ لأنها أهم مصادر نقل العدوى، حيث تنقل المرض من مزرعة مصابة إلى أخرى غير مصابة. وترجع إهمال المربين إلى هذه الاشتراطات إلى اعتقادهم بأنها مكلفة، على الرغم من أن كل جنيه ينفقه المربى على توفير معايير الأمن والأمان الحيوى يُرد عليه بأرباح تقدر ب19 جنيها، حسب ما أكدته دراسات الجدوى، ولكن لا يتم الاستجابة لذلك. وتضيف أن نوع الفيروس الموجود حاليا هو النوع نفسه الذى ظهر لأول مرة عام 2006، وحدث له تحور عامى 2008 و2009؛ نتيجة مقاومته للقاحات، وهو ما يتطلب توفير كميات كبيرة من اللقاحات لتحقيق القدر الأكبر من السيطرة على الفيروس مع ضرورة زيادة حملات التوعية لدى أصحاب المزارع. أنواع اللقاح من جهته، أكد د. موسى عبد الحميد -مدير عام الإدارة العامة لأوبئة وأمراض الدواجن بهيئة الخدمات البيطرية- أنه لم يكن فى مصر مع بداية ظهور الفيروس تجهيزات معملية تؤهل لتصنيع اللقاحات اللازمة لمواجهة الفيروس، إلى أن بدأت بعض الشركات الخاصة فى تصنيعه كما أنتجه معهد الأمصال واللقاحات، بالرغم من إمكانياته المتواضعة، مشيرا إلى أن هناك نوعين من اللقاح لأنفلونزا الطيور فى مصر، الأول وهو اللقاح المخمد (ميت) ويتم تحضيره من المواد الحاملة للفيروس ويصنع فى مصر ويعطى للكتاكيت من عمر7 إلى 12 يوما. أما النوع الثانى فهو اللقاح المُحمل على لقاح آخر مثل لقاح أنفلونزا الطيور المحمل على فيروس (الماريك) ويتم استيراده من الخارج وإعطاؤه للكتاكيت من عمر يوم واحد. وأضاف أن هناك شروطا خاصة فى تخزين ونقل اللقاحات التى يتسبب أى إخلال بها فى التقليل من كفاءة اللقاح، أهمها أن يتم حفظ اللقاح فى درجة حرارة منخفضة لا تزيد عن 8 درجات مئوية، وأن يكون النقل فى سيارات ذات صندوق مثلج، مؤكدا أن هناك أخطاء جسيمة يقع فيها أصحاب المزارع، منها نقل اللقاحات عبر وسائل نقل عادية مثل السيارات والدرجات البخارية مما يعرضها للحرارة والرطوبة والتلف وفقدان كفاءتها. وأوضح أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية تحرص منذ ظهور الفيروس على عمل تحصين دورى لحضانات البط والفراخ من عمر 20 إلى 40 يوما، كما تجرى عملية التحصين الموجه، الذى يتم حول بؤر ظهور الفيروس وحتى مسافة 9 كيلو مترات ولمدة 21 يوما حتى يتم التأكد من خلو البؤرة من الفيروس.