وجد المخرج عادل بركات ضالته فى أحد أهم نصوص الكاتب الأندلسى فيديريكو جارثيا لوركا وهو "الزفاف الدامى"، الذى ترجمه الدكتور عبد الرحمن بدوى ليثرى المكتبة المسرحية العربية بنص مهم، ليقوم بتمصيره -إضفاء الروح المصرية على العمل- درويش الأسيوطى، وتقوم فرقة السامر بإنتاج العرض وتقديمه على خشبة مسرح أرض السامر. ويعد جارثيا لوركا، من أهم فنانى الربع الأول من القرن العشرين، فهو أحد أعضاء مجموعة جيل 27، التى هى مجموعة من شعراء الأدب الإسبانى الذين نبغوا فى هذه الفترة. ولد فيديريكو جارثيا لوركا فى مدينة غرناطة فى 5 يونيو عام 1898، وكتب الشعر وبرع فى الموسيقى والتأليف الموسيقى كما تمكن من عزف البيانو، إضافة إلى موهبة كبيرة فى الرسم، له العديد من المؤلفات المسرحية ذات الانتشار العالمى فى مقدمتها بيت برنالد البا. قام العسكر بانقلاب عام 1936 بقيادة الجنرال فرانكو بعد أيام قليلة من عودة فيديريكو جارثيا لوركا لمسقط رأسه فى غرناطة، وبعد انكسار حامية إشبيلية وسقوطها فى يد الانقلابيين تم القبض على صهره وقام لوركا رغم التحذيرات بزيارته فى السجن ليتم القبض عليه فى منزل أحد أصدقائه الشعراء الذى حصل على وعد بإطلاق سراح لوركا إذا لم يكن هناك أى شكاوى ضده ولكن تم تنفيذ الإعدام فيه رميا بالرصاص وكانت تهمته أنه جمهورى ولم يتم العثور على جثته ولا يعرف مكان دفنه. وتعد الفنون التى يبدعها الفنانون الأسبان قريبة جدا مما تتناوله الفنون المصرية لوجود خلفية ثقافية إسلامية تأثر بها المجتمع الإسبانى خلال الحكم الإسلامى الذى ساد فى الأندلس، الذى استمر لأكثر من سبعة قرون، وعلى رأس ما يناقشه كلا المجتمعين مشكلة الثأر المتجزرة فى المجتمع الصعيدى المصرى والموجودة فى إسبانيا، التى لم يتمكنا من التخلص منها حتى الآن. وقدم عادل بركات "الزفاف الدامى" برؤية مختلفة لقضية الثأر من خلال مسرح السامر، فمنذ دخول المتفرج لمشاهدة العرض تبدأ علاقة جدلية بين المتلقى والديكور الخاص بالعرض الذى يبدو عليه الطابع السريالى ذو الألوان الفسفورية، التى يظهر بعض تفاصيلها باستخدام الإضاءة كما يستخدم المخرج بعض الموتيفات البسيطة لنتحول من مكان إلى مكان كما يستخدم الإضاءة فى إظلام بعض أجزاء المسرح وخاصة العمق ليدور المشهد فى المقدمة دون الانشغال بتفاصيل الخلفية. يبدأ عرض "الزفاق الدامى" بخوف إحدى الأمهات فى صعيد مصر على ابنها من الخروج على الرغم من كونه شابا يافعا يستطيع الدفاع عن نفسه، فقد قتل أبوه وأخوه بيد أحد الأشخاص الذى تم إيداعه السجن، ويبدأ الشاب فى البحث عن عروسة ليتزوجها، ويحقق حلم أمه بمستقبل أسرتها التى سيكونها هذا الولد من بنين وبنات ليساعدوها فى أعمال المنزل ويقع اختياره على بنت من عائلة قاتل أبيه كانت مخطوبة لابن هذا القاتل، وعلى الرغم من خوف الأم إلا أنها تستجيب لرغبة الابن لتعلقه بالفتاة. وعندما تذهب الأم لخطبتها وعند رؤيتها تكتشف أن الفتاة لا تحب الشاب بل ما زالت متعلقة بخطيبها السابق، على الرغم من زواجه وإنجابه ليتقاطع حديث بين الشاب والفتاة، وبين الفتاة وخطيبها السابق، فأسئلة الشاب ترد عليها الفتاة ولكن فى صيغة وكأنها موجهة للخطيب السابق، ويوم الزفاف يأتى الخطيب السابق مع زوجته وابنته ويدخل بمفرده إلى مخدع العروس ويهربان معا وهى مرتدية ملابس العرس ويهربان بين الأشجار ويختفيان لكن ضوء القمر يفضحهما ويتبارز الشاب مع الخطيب السابق فيقتلان بعضهما. استطاع المخرج عادل بركات تبسيط الكثير من لوغريتمات العرض للوصول إلى الهدف الذى يريده، فالدم لا يحصد إلا الدم، وعلى الرغم من استخدامه الكثير من التفاصيل التعبيرية إلا أنه لم يكن هناك ألغاز فى العرض المسرحى وهو ما يقع فيه الكثير من المخرجين، حينما يحاولون تجربة أسلوب جديد من أساليب العمل الفنى. تميز العرض المسرحى بمجموعة عمل جيدة دارت بينهم مباراة فى كيفية إنجاح العرض، سواء من كانوا أمام الجمهور على خشبة المسرح أو فى كواليس العمل، ولا يراهم الجمهور، فقد استخدمت الممثلة عبير على حركاتها الجسدية والصوتية فى إبراز دورها كأم جنوبية، كما قام الممثل الشاب محمد حسن بأداء دور الابن وهو طاقة تمثيلية أمامها طريق طويل من العمل ليكون فى المستقبل من ممثلى الصف الأول، كما قدمت الممثلة "مصرية" دورن منضبطن تمثيليا فى دور العروسة، واستطاعت التنقل بين الأحاسيس فى مشهد الحديث المتقاطع بين الشاب والخطيب السابق لنرى مدى التباين الواضح بينهما، وما يمثله كل منهما بالنسبة لها، كما قام مجموعة الفنانين أعمدة فرقة مسرح السامر بأداء أدوارهم بعيدا عن النمطية المعهودة لتلك الأدوار، وهو ما يدل على مجهود كبير قاموا به خلال البروفات للخروج بمثل هذا الشكل اللائق.