* مسئول ثقافى: النظام البائد تعامل ببخل شديد مع شباب المبدعين * القاص عصام عبد الحميد: القضايا الوطنية الأكثر حضورا فى أدب الحركة الإسلامية * الأديب محمود على: أولوياتنا حق الشهداء ورغيف العيش والعدالة * الشاعر خالد الطبلاوى: نسعى لتعزيز قيم التسامح والحوار والاعتزاز بالهوية الإسلامية منذ الثورة وهناك حالة من التغيير فى المجالات كافة، ولم يكن الأدب بعيدا عن حالة التغيير تلك، بل بات الكثيرون يبشرون بثورة أدبية لها العديد من المظاهر والسمات، واللافت للنظر فى حركة التغيير الأدبية تلك هى ظهور الهم الوطنى ومشكلات الواقع فيها بقوة، فضلا عن أنها حركة متسعة تشمل كافة الأطياف الفكرية والسياسية التى عجزت الحياة السياسية على أن تؤلف بينهم. ولم يكن أدب الحركة الإسلامية ببعيد عن حالة التغيير تلك، وإنما كان فى القلب منها؛ بحيث صار أدبا أكثر انفتاحا على قضايا المجتمع، مبتعدا عما تميز به لسنوات من هم خاص يعبر عن القهر والظلم الذى قاساه فى عصور الاستبداد السابقة. تيارات التغيير وفى هذا السياق، عقد إقليم شرق الدلتا الثقافى مؤخرا مؤتمرا تحت عنوان "تيارات التغيير فى أدب الشباب" للتعبير عن تلك الحالة الجديدة من التغيرات الأدبية التى تشهدها الساحة. وفى ذلك يقول محمود أحمد على -الأديب والأمين العام للمؤتمر-: إنه منذ الثورة؛ والباب فُتح للحرية؛ ومنها انعكس ذلك على الكتابة بشكل عام، خاصة أن الكثير من الأدباء ولأنهم أصحاب فكر ورأى فى الأساس؛ كانت لديهم مشكلات عديدة مع الجهات الأمنية والسياسية، فمن كان يسعى للكتابة الصادقة؛ لم يكن يقابل إلا بالنفى أو السجن أو الموت وهو على قيد الحياة، وأقل شىء كان يواجهه الأديب هو التهميش والإقصاء؛ أما إذا أراد أن ينجو من هذا كله فكان يقبل الاستدراج ويقبل أن يكون كاتب سلطة، ومن ثم تتجه له جوائز الدولة بكافة أشكالها. ويضيف: ما نشهده الآن من تغيرات أدبية هو أمر له العديد من الملامح؛ يتمثل أهمها فى تراجع أفكار التلميح فى مقابل التصريح؛ ومن الموضوعات الجديدة تأتى الكتابة الحقيقية المباشرة عن ستين عاما مضت من تاريخ مصر، حيث كانت الأفواه مكممة إلى حد كبير، وهذه هى رواية مصر التاريخية التى نريد أن نكتبها الآن. ويردف قائلا: ومن ناحية أخرى ومن ملاحظة الأعمال المعروضة فى الفترة الأخيرة، خاصة فى إطار مسابقة "شاعر الشرق" والتى عُقدت ضمن فعاليات مؤتمر-تيارات التغيير فى أدب الشباب- فقد لوحظ التغيير ليس فقط فى الموضوع ولكن فى بنية القصيدة، والأسلوب، فقديما كنا نلحظ أن الشعراء يسعون إلى تقليد الشعر الأكثر شيوعا، حتى يظن المنصت أن كل القصائد إنما هى قصيدة واحدة، ففى الشعر العامى كان هناك جيل بأكمله يسعى لتقليد الأبنودى مثلا أو صلاح جاهين. ويضيف: أما الآن فشخصيات الشعراء أكثر ظهورا وحضورا فى أعمالهم، ومن ثم تأتى الأعمال أكثر حياة وإبداعا. ويتطرق التغيير إلى الكلمات والمفردات المستخدمة، وإلى الصور والأمثلة والأخيلة، وهو ما نجده أيضا فى الأعمال القصصية التى باتت الثورة هى الحاضر والبطل الأول فيها، ما يجعلنا نؤكد أن قضايا الواقع ومشكلاته هى الاتجاهات الأكثر حضورا على الساحة الأدبية الآن، وذلك فى تراجع –ولو إلى حد ما- فى الموضوعات ذات الميل أو السمت الرومانسى. وأشار إلى أن ما يشغل الأدباء حاليا هو الحديث عن حق الشهداء، أو عن رغيف "العيش"، أو عن مهرجان البراءة لرموز النظام السابق، فكلها قضايا تمثل –حاليا- المحاور ذات الأولوية والأهمية لدى الجيل الحالى من الأدباء. فى السياق ذاته، يرى أمين عام المؤتمر أن الحركة الثقافية والأدبية داخل أندية الأدب أو قصور الثقافة تسعد، وتتمنى وجود نماذج من أدباء الحركات الإسلامية بينهم، بحيث لا يجب أن يغيبوا عن هذا المشهد وتلك التحولات. ويؤكد أنه لا بد أن يكون لهم دور بعدما كانوا مغيبين عنوة فى عهد النظام السابق. ويتفق مع أن فكرة أن الرافد الوطنى وهموم بناء المستقبل، من المناسب جدا أن تكون هى مساحات التلاقى الأدبى بين كافة الاتجاهات والتيارات. بحيث ينتج الأدباء فى مساحات مشتركة أكثر اتساعا وقبولا للاختلاف من عالم السياسة الذى ضاق بذلك. ويشير إلى أن هناك بخلاف ذلك ملامح تغيير أخرى يطالب بها الأدباء، وهى أن يمد القائمون على الشأن الثقافى يد العون لكل الأدباء خاصة من الشباب، خاصة من خارج العاصمة، كما أن على النقاد والباحثين أن يلتفتوا إلى الأجيال الجديدة من الأدباء بحيث يتلقوا أعمالهم بمزيد من النقد والدراسة والتفنيد؛ فيكفى الكتابة عن جيل "يوسف إدريس والعقاد، وتوفيق الحكيم..وغيرهم"، فهؤلاء قد قُتلت أعمالهم بحثا، كما أن المتتبع قد تصله رسالة أن مصر خالية من غير هؤلاء الأدباء، وأن البلاد لم تلد غيرهم، ولذا فأدباء الأقاليم وأدباء الشباب يستحقون تسليط الضوء عليهم بشكل جاد. من جانبه، يقول محمد عبد الحافظ ناصف -رئيس مؤتمر تيارات التغيير فى أدب الشباب ورئيس إقليم شرق الدلتا الثقافى-: بطبيعة الحال فإن جماعة الأدباء الشباب تكون دائما متطلعة إلى التغيير وإلى الكتابة بأشكال وأنماط مختلفة عن الأجيال التى تسبقها، لأنهم يرون فى ذلك تميزا جديدا لهم كجيل، وهو أمر وجدناه أيضا فيمن سبق، ومن ذلك مثلا جيل "صلاح عبد الصبور" حينما تحول بالقصيدة من العمودية إلى قصيدة التفعيلة، أيضا جيل "يوسف إدريس" حينما كتب عن الشعب المصرى بأنه ابن الطين والأرض، ونقل القصة المصرية من القصور، إلى أرض الواقع والمسرح الحقيقى للأحداث.إذن فمع كل جيل هناك فلسفة جديدة، وتطلع كبير نحو التغيير؛ بل دفع ذاتى من تلك الأجيال بحيث لا تنتظر فى ذلك مباركة أو قبول أحد. يضيف: إن هناك ظرفا تاريخيا مهما فرض رؤية تغيير كبيرة فى الإنتاج الأدبى، فالجيل الحالى ولأنه ابن للثورة، فقد تربت داخله أحاسيس التمرد والرفض للواقع الثابت الممتد عبر زمن طويل، ومن ثم فهو يريد التعبير عن تصوراته وأفكاره وأطروحاته للواقع المحيط به. هذا من حيث الموضوع، أما من حث الأسلوب والبناء، فنجد حالة ابتكار واختلاف؛ فعلى سبيل المثال ورغم أن القصيدة السائدة قبيل الثورة كانت القصيدة النثرية، نلحظ الآن العودة وبشدة إلى قصيدة الوزن والإيقاع، وهو أمر يبدو غريبا. وفى مجال القصة والرواية، فالموضوع اختلف كثيرا بحيث يظهر فيه حاليا روح الواقع والهموم الحياتية المختلفة. أما عن التيار الرومانسى فرغم أنه موجود فى كافة العصور، لكننا لا نستطيع أن نقول إن السمة الغالبة على الجيل الحالى هى الرومانسية؛ فهى تبدو ترفا يظهر بعد تحقق مطالب الحياة. وحول احتياجات هذا الجيل حتى يكون تغييره إيجابيا مثمرا فى الاتجاه البنّاء الصحيح، يرى عبد الحافظ أنه بداية يحتاج من الدولة كل شىء يوفر له الحياة الكريمة، وفى الإطار الثقافى، يحتاج من المؤسسات المتخصصة احتضانه بشكل جيد، وإعطاءه الإحساس بأن هيئات الثقافة فى خدمته ودعمه. وتابع: فى هذا الإطار لا بد من ذكر أن المؤتمر الأول للأدباء الشباب كان عام 1969، وكان يرأسه حينها "شعراوى جمعة" وزير الداخلية آنذاك، وحينما لمح القائمون على المؤتمر أن الأدباء الحاضرين يمثلون التمرد، فلم تستمر فعاليات المؤتمر ولا اجتماعاته، بل اعتقل حينها بعضا من هؤلاء الشباب، ون ثم لم يتكرر هذا المؤتمر؛ حتى إقامته فى الأسبوع الماضى، ولذا فمن أراد الآن التعامل مع الأدباء الشباب، لا بد أن يكون صدره متسعا للاختلاف وللاستماع والمناقشات الموضوعية، بلا إقصاء أو تهميش. وحذر من أن تهميش ذوى الفكر أو الأدب خطر كبير، لافتا إلى أن الدولة فى السنوات قبل الثورة كانت تتعامل ببخل شديد مع شباب المبدعين، وفى الوقت نفسه كان هناك إغداق عليهم من قبل المؤسسات الثقافية الأجنبية والدولية، ولذا فبدون أن يدروا كانوا يتبعون أجندات وأولويات تلك الجهات الداعمة لهم، وفى هذا خطر شديد فى أن يصبح ولاء الأدباء وذوى الفكر للخارج وليس للداخل. بدوره، يؤكد الناقد د. يسرى عزب: إنه بالفعل هناك تغيير وبقوة فى الحالة الأدبية الراهنة، ومن ملامح ذلك التغيير أن "البيان أصبح محترما"، ولم يعد الغموض صاحب السيادة على المشهد الأدبى؛ حيث كان يُلجأ إليه خوفا من الأوضاع السياسية؛ ولذا كان البيان أو الإبانة بداية لصحوة أدبية سنجنى ثمارها قريبا. ويقول: من حيث الموضوع فقد أصبحت وستستمر كذلك لفترة طويلة، القضية الوطنية هى المحور الأهم الذى يحمل كافة الإبداعات المعاصرة. أما من حيث الأسلوب فهى ظواهر ستبدو مع الأيام فالحديث عنها يحتاج مزيدا من الوقت حتى تظهر الملامح الأسلوبية للعصر الأدبى الراهن. أدب الحركة الإسلامية وحول موقع أدب الحركة الإسلامية من حالة التغيير التى تشهدها الخريطة الأدبية تلك، يقول الأديب والقاص عصام عبد الحميد -عضو رابطة أدباء الحرية المعبرة عن تيار الأدب داخل جماعة الإخوان المسلمين-: إن أدب الحركة الإسلامية ليس بعيدا عن موجات التغيير الأدبية الحالية، وإن رابطة أدباء الحرية ترفض التقوقع حول الذات، فالقضايا الوطنية والاجتماعية أصبحت هى الأكثر حضورا فى أدب الحركة الإسلامية؛ بحيث تم الابتعاد عن فكرة الضغوط والملاحقات والإحساس بالظلم وهى الأفكار التى كانت إلى حد ما تسيطر على الأفكار الأدبية داخل التيارات الإسلامية لظروف العصور السابقة. ويضيف: الأدباء الآن يتحدثون عن المستقبل، وعن المطلوب من أفراد المجتمع حتى تنهض الأمة، وحتى حين تناول القضايا السياسية الحالية -فى مجال الأدب- لم يعد التناول لها من منطق الضعف والقهر والبكائيات، ولكن أصبحت أفكار التغيير والتوجيه هى الغالبة. وحول الوجود فى المؤسسات الثقافية الرسمية -كتغيير يطلبه الكثيرون من أدباء الحركة الإسلامية- يذكر عبد الحميد أن هذا يحدث بالفعل رغم التضييقات الشديدة على ذلك، نظرا لسيطرة اتجاهات فكرية أخرى على تلك الهيئات الثقافية، مع ذلك نحاول الاشتباك والتداخل وعرض أعمالنا ومنتجاتنا الأدبية؛ ولكن للأسف الكثير من القائمين على تلك المؤسسات لا يعترفون بهذا الوجود الإيجابى، بل يُصدِّرون أفكار تقوقع أبناء الحركة والتوجهات الإسلامية، ويؤكدون اتهام ابتعادهم عن الفن والأدب. على حين أن هذا غير حقيقى على الإطلاق. وبعيدا عن سياسة الإقصاء تلك، يتفق القاص عصام عبد الحميد مع أن الرافد الوطنى، وهم مشكلات الواقع من الممكن أن تكون محاور مهمة لتلاقى كل الأدباء من جميع التيارات الفكرية والسياسية المختلفة، بحيث يُقرب الأدب ما عجزت السياسة على فعله. ويقول: هذا ما نفعله على المستوى الخاص فى لقاء نعقده -على سبيل المثال- من قبل رابطة أدباء الحرية-فرع دمياط، ينعقد مرتين فى الشهر، به أكثر من 90% ليسوا من أبناء التيار الإسلامى، ولكن يجمعنا هَم الوطن والشأن العام. من جانبه، يقول الشاعر خالد الطبلاوى -عضو رابطة أدباء الحرية-: هناك حركة تغيير فى التناول الأدبى، مواكبة للثورة والمستجدات على الساحة، وهو تغيير ليس حكرا على الشباب. وفى داخل أدب الحركة الإسلامية فقد أصبح أكثر تناولا للهموم والقضايا المختلفة، فمؤخرا مثلا ناقشنا مجموعة قصصية جديدة للقاص عصام عبد الحميد، وعنوانها "هان الود"، وهى تدور فى أجواء عائلية وتعالج القضايا الاجتماعية بشكل جذاب، وهذا يعنى أن أدب التيارات الإسلامية منفتح متجدد وأكثر تشابكا مع هموم المجتمع، ليس فقط فى شقها السياسى؛ ولكن أيضا الشق الاجتماعى والعائلى. وأضاف أن مؤتمراتنا التى نعد لها منذ قيام الثورة تدور جميعها فى فلك أربع قيم رئيسية، تدعم أفكار الانفتاح على المجتمع، وهى قيم التسامح، الحوار، قبول الآخر، هذا بخلاف قيمة الاعتزاز بالهوية.