تمر أحداث إيجابية كثيرة فى مصر الثورة الآن دون أن يعرف الناس عنها ما يجب معرفته، ودون أن تأخذ حقها من التقدير والإعجاب، لأن إعلام الفتنة يأخذ أسوأ ما يحدث فى بلادنا ويبنى عليه جبالا من الأكاذيب والأوهام، ويصدع رءوسنا ليل نهار بأن البلاد على حافة الهاوية، فى حين لا ينظر إلى أى شىء يبث البشرى فيمن فقدوا الأمل. مصر يا سادة بدأت بالفعل تشق طريقها كدولة عصرية ديمقراطية فى ظل حكم إسلامى رشيد، ودليلى على ذلك حدث مهم مر الأسبوع الماضى دون أن يعيره الإعلام الاهتمام الكافى والإبراز المطلوب، على الرغم من أنه يمثل نقطة تحول مفصلية فى أداء الجهاز الحكومى، وينبئ عن أننا نسير فى الاتجاه الصحيح. هذا الحدث هو إعلان نتائج اختيار ثلاثة آلاف إمام لمساجد وزارة الأوقاف الثلاثاء الماضى، من بين سبعة وخمسين ألفا تقدموا للوظيفة فى مسابقة هى الأولى من نوعها؛ إذ إن معطيات الحدث ودلالاته وما أحاط به من إجراءات، تكشف لنا إلى أى مدى بدأت مصر تملك ناصية الشفافية والعدالة، وبرهان ذلك عدة نقاط نجملها فى الآتى: أولا: أنها المرة الأولى التى يتم تعيين الأئمة فيها دون تدخل ووصاية أمن الدولة؛ حيث تم فتح باب التقدم للوظيفة لخريجى جامعة الأزهر من مختلف التخصصات دون التقيد بسنة التخرج أو السن؛ حيث يأخذ من طالهم ظلم ذاك الجهاز سيئ السمعة فرصتهم، وهذا تحول مهم جدا. ثانيا: الشفافية المطلقة فى الاختبارات، فهى المسابقة الأولى التى لا تنفرد بها الأوقاف؛ حيث جرت بإشراف 30 لجنة من أساتذة الأزهر وعلماء الأوقاف، واستخدم فيها نظام الأظرف فى الامتحان التحريرى للقرآن، بعشرة نماذج متنوعة، وكانت الأسئلة فى المستوى المتوسط وتتغير بين وقت وآخر والطالب يسحب نموذج الاختبار بنفسه. ثالثا: الشفافية المطلقة فى رصد وإعلان النتائج؛ حيث تم ترتيب جميع المتقدمين وفقا للدرجة النهائية التى حصل عليها كل منهم، وتم اختيار أول ثلاثة آلاف حسب المجموع الكلى، كما أن إعلان النتيجة جاء من خلال كنترول تم العمل فيه بشكل سرى للغاية ودون أى تدخل، ومن ثم لم يعرف أى شخص، وعلى أى مستوى، النتيجة النهائية قبل إعلانها. رابعا: أنها المرة الأولى التى يتم فيها اختيار الأئمة دون وساطة أو محسوبية أو مجاملة أو رشوة؛ حيث تم تفعيل معايير الكفاءة والعلم والفكر الوسطى المعتدل والثقافة الواسعة واللغة العربية السليمة، بشروط أساسية منها حفظ القرآن الكريم كاملا بإتقان والإلمام الجيد بتفسيره والمعرفة الكافية بالفقه والسيرة والحديث، بجانب حسن السمعة والمظهر. خامسا: أنه العدد الأكبر من الأئمة الذى يتم تعيينه فى تاريخ الوزارة من أبناء جميع المحافظات، وسيتم توزيعهم حسب احتياج كل محافظة فعليا. هذا يعنى بوضوح أن من تم اختيارهم للوظائف كانوا جديرين بها، بمعنى "وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب"، وهو ما يبشر بأننا أمام جيل متميز من الدعاة سيعتلى للمرة الأولى منابر مصر الإسلامية، وهذا -بلا شك- حدث له ما بعده، وسوف يخضع هؤلاء الأئمة الجدد لدورات تثقيفية وتأهيلية تنمى قدراتهم ليكونوا نموذجا فريدا تتباهى به مصر. نحن بالفعل أمام تحول حقيقى وانتقال مهم ينبئ بزوال دولة الظلم والمحسوبية والوساطة، والانتقال إلى دولة العدل والشفافية والكفاءة وإعلاء القيم والمبادئ على الأشخاص والكيانات، ونأمل أن تنهج بقية الوزارات نهج الأوقاف لتكون عونا على استكمال أهداف الثورة بمثل هذه الممارسة الشريفة النظيفة. كل التحية والتقدير لوزارة الأوقاف وللأزهر الشريف على هذا الجهد غير المسبوق، وتعظيم سلام للوزير المحترم الدكتور طلعت عفيفى ولكل معاونيه.