ولد محمد إقبال فى مدينة سيالكوت من ولاية بنجاب بالهند فى إبريل 1873م، من أبوين عُرفا بالتقوى والصلاح، فوالده محمد نور كان متصوفا وعاملا كادحا فى كسب رزقه يعمل لدينه ودنياه، قال لابنه محمد حين رآه يكثر من تلاوة القرآن الكريم: إذا أردت أن تفقه القرآن فاقرأه كأنه أنزل عليك. بدأ "إقبال" التعليم فى طفولته على يد أبيه، ثم أدخل مكتبا لتعليم القرآن الكريم، والتحق بكلية فى بلده حيث تعهده صديق والده، وحبب إليه الثقافة والآداب الإسلامية، ثم سافر إلى لاهور والتحق بكلية الحكومة فيها، ونال من الكلية درجة أستاذ فى الفلسفة واللغة الإنجليزية، وعين مدرسا فى الكلية الشرقية فى لاهور، وفى هذه الفترة من حياته نظم إقبال الشعر وبرع فيه وذاعت شهرته. سافر سنة 1905 إلى لندن والتحق بجامعة كامبردج ونال شهادة عليا فى الفلسفة وعلم الاقتصاد، وأقام فى لندن ثلاث سنوات ألقى خلالها العديد من المحاضرات الإسلامية، أكسبته الثقة والشهرة، وتولى كذلك تدريس آداب اللغة العربية فى جامعة لندن، كما درس القانون واجتاز امتحان المحاماة، وسافر إلى ألمانيا وأحرز من جامعة ميونخ الدكتوراه فى الفلسفة. عاد إقبال إلى الهند 1908، وعمل بالمحاماة، وكان فى عمله مثال الاستقامة والأمانة، ولم يكن يتولى قضية حتى يعلم أن موكله صاحب حق فيها، وأنه يستطيع أن يرد له حقه. اشترك فى توجيه سياسة بلاده وكانت فلسفته السياسية الأمل والعمل والجهاد والعزة والكرامة، وكان شعره أناشيد مسلمى الهند المجاهدين، فقد أشعل فى النفوس ثورة على سلطان الإنجليز فى الهند، وأمّن المجاهدين بالأمل والعزم والإقدام، وانتخب سنة 1926 عضوا فى الجمعية التشريعية فى البنجاب، وعمل فى حزب الرابطة الإسلامية. وفى سنة 1930 خرج على الناس برأيه الخاص فى إنشاء دولة باكستان، وتقسيم الهند على أسس جنسية ودينية ولغوية، وكتب بذلك إلى محمد على جناح، رئيس الرابطة الإسلامية، ونادى بهذا الرأى فى شعره وخطبه، وشهد مؤتمر الطاولة المستديرة الذى عقد فى لندن سنة 1932 للبحث فى دستور الهند. أصيب الشاعر إقبال بمرض طالت مدته رغم عناية الأطباء، ولقى الموت راضيا مبتسما سنة 1938. وكان حاد الذكاء، مرهف الإحساس، نظم الشعر ونبغ فيه وهو لا يزال فى مرحلة الشباب، وخلف ثروة عظيمة من روائع الشعر، ترجم الكثير من قصائده إلى عدة لغات، وكان واسع الثقافة غزير العلم، ونال الإجازات العلمية العالية فى مختلف العلوم فى الآداب والفلسفة والاقتصاد والحقوق وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، وله عدة مؤلفات فى الدين والفلسفة ترجم بعضها إلى لغات كثيرة. لمحمد إقبال فلسفة وآراء فى الحياة ضمنها شعره، كشفت إعجابه بالإسلام والمسلمين، ورؤيته فى العرب الأوائل المثل الأعلى فى اكتمال الشخصية والإخلاص والتضحية، معتبرا أن الإسلام بعقيدة التوحيد وما تبعثه فى نفس الفرد من روح القوة والحرية وبما جاء به الرسول الأعظم فى رسالته الخالدة من الآداب والأحكام- كفيل بسعادة البشر أجمعين. زار إسبانيا بعد حضور مؤتمر الطاولة المستديرة فى لندن سنة 1932، ووقف فى مسجد قرطبة وقفةَ شاعر مؤمن، وتوجه إلى القبلة وصلى ركعتين فى هذا المسجد المهجور الذى لم يسمع فيه أذان ولا أقيمت به صلوات منذ مئات السنين. كان من أهم نتائج دعوة "إقبال" قيام دولة باكستان بعد وفاته بتسع سنوات سنة 1947، وبذلك تحققت للمسلمين أمنية من أعز الأمنيات، وهى جمع شتات المسلمين فى الهند، وتعاونهم فى العمل لخير المسلمين والعالم أجمع، وتحقيق أهداف رسالة الإسلام السامية.