هل فكرت يوما أنك يمكن أن تكون مغفلا؟؟! أرجوك لا تغضب، ولا تعتبرها إهانة، فأن تكون مغفلا بعض الوقت ليس عيبا، ولكن العيب أن تكون مغفلا مزمنا يجعل السذاجة أسلوب حياة. كثير من مشاهير التاريخ ومغموريه اكتشفوا أنهم وقعوا مرة ضحية استغفال؛ يوليوس قيصر اكتشفها وهو يتلقى طعنة بروتس، وقطز اكتشفها وهو يموت بيد بيبرس، وإسرائيل اكتشفتها وهي ترى المصريين يقتحمون عليها ضفة القناة، والمصريين اكتشفوا أن “صوت العرب” استغفلتهم بأخبارها عن انتصارات “النكسة”، والألمان اكتشفوها وهم يفيقون من آثار دعاية جوبلز وحنجوريات هتلر. لسنا -أنا وأنت- إذن أعصياء على الاستغفال، ولكن الحكمة أن نكتشف ذلك مبكرا، ولذلك فإن السؤال المهم هو كيف تعرف أنك مغفل؟ وإجابتي، أنك مغفل إذا كنت واحدا من هؤلاء: •إذا ضبطت نفسك متلبسا باحتكار الحقيقة المطلقة والخير المطلق ولم تر في خصمك إلا شرا لا خير فيه وغباء لا ذكاء فيه. •أو كنت في السياسة “ألتراسا” لحزب أو شخص فلا ترى في مواقفهم إلا حكمة منزهة عن الخطأ ترددها كالبوق. •أو كنت ممن يعيدون نشر كل خبر منسوب إلى مصادر مجهولة، وتفشل أن تقدم دليلا عليه أو تبرره منطقيا. •أو كنت لا زلت تستمع وتصدق من روجوا خرافات مثل قتل الإخوان لأنفسهم يوم الجمل أو حرقهم أنفسهم يوم الجبل، أو بيعهم قناة السويس وتأجير الهرم، أو أن منجدين أشرفوا على استفتاء الدستور، أو أن بنات التاسعة مطلوبات للزواج رسميا رغم أن هذا كله وغيره ثبت كذبه. •أو كنت ترى أن الإخوان جماعة سرية وغير قانونية دون أن تتبنى الموقف نفسه بحق التيار الشعبي أو 6 إبريل أو جبهة الإنقاذ أو معظم الحركات النشطة بمصر •وإذا كنت تصدق أن قطر -وهي الوحيدة في الخليج التي أيدت الثورة ودعمتها قبل الإخوان وبعدهم- هي أخطر علينا من دول تدعم جهرا النظام المخلوع وقال بعض ساستها إنهم لن يقبلوا إلا أن تأتي مصر إليهم حبواً. •وإذا راجعت التايم لاين الخاص بك على تويتر أو فيس بوك فاكتشفت أنك تهتف اليوم بحياة من هتفت بسقوطهم قبل عام ثم لا تدهشك تناقضاتك. •وإذا كنت ممن بلعوا طعم الاستغفال الذي وضعه باسم يوسف في حلقته الأولى على CBC فصدقت أن أديب والحديدي والجلاد غاضبون منه، ولم تسأل نفسك عن تطورات مقاضاتهم له، وكيف استقام للميس الحديدي أن تقاضيه ثم تحضر برنامجه وتمنحه ابتسامتها الساحرة. •أو كنت تصدق بحق أن أزمتنا الاقتصادية من صناعة الرئيس وتزول بزواله، أو أن المظاهرات العنيفة ليست سببا في فرار المستثمرين. •أو تتخيل أن أولئك الذين يكيلون النقد أو السخرية على الإنترنت أو في التلفزيون أو في الشارع يملكون مفتاحا سحريا لأزمات مصر لكنهم يدخرونها لحين دخولهم القصر. •أو لا تصدق أن في مصر “أصابع تلعب” وطرفا ثالثا ورابعا وخامسا رغم كل ما تراه من جهود تفجير العنف والصراع الاجتماعي -آخرها أحداث الخصوص والكاتدرائية- وفي كل مرة الفاعل مجهول. أنت في كل هذا مغفل لأنك تتلقى معلومة فلا تدققها، وتؤمن بشيء فلا تناقشه، وتحب أو تكره بهواك دون عقلك، وتجحد عيناك حقائق جلية، فتستمتع بالبلادة الفكرية واليقين الكاذب وتفقد عيناك نعمة الصورة الملونة والخيارات المتنوعة ولا ترى إلا أبيض أو أسود. ونصيحتي أن تجرب -على سبيل التغيير- آية “فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”، إن لم يكن بدافع الدين، فبدافع احترامك لعقلك، فما الجميل في أن تجعل من نفسك أضحوكة مع كل خبر كاذب تردده، أو رأي ساذج لا تستطيع شرحه، أو تناقض لا تستطيع تبريره؟! جربها وتذكر أن القانون والدين لا يحميان المغفلين.