كنت من المتعاطفين مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى مواقف كثيرة سبقت الثورة ومن المعجبين به؛ لأنى عرفته عن قرب، ولمست فيه دماثة الخلق وسعة الأفق، فضلا عن الهمة العالية والعمل الدءوب، ولم تكن آراؤه المغايرة أو غير المتسقة مع آراء جماعة الإخوان المسلمين -عندما كان من أهم رموزها- تزعجنى أو غيرى من شباب الإخوان كثيرا، باعتبار أنها آراء شخصية لها وجاهتها، وقد تكون فيها مصلحة للجماعة، كما لم نكن نلتفت حينها للحفاوة الكبيرة بهذه الآراء من قبل وسائل إعلامية مختلفة، حزبية أو محسوبة على النظام البائد أو أخرى تدعى أنها مستقلة ولكنها تبدى كراهية واضحة للإخوان وانحيازا سافرا ضدهم. وعندما ترشح الدكتور أبو الفتوح للرئاسة تعاطف معه عدد لا بأس به من شباب الإخوان ورأوا أن موقف الجماعة من ترشحه فيه بعض التعسف، وكثير من هؤلاء تحول بالكلية إلى تأييده وكانوا ضمن فريق عمله الانتخابى، ومن ثم تحولوا بعد ذلك إلى أعضاء مؤسسين فى حزب مصر القوية، ولم يلتفتوا أيضا إلى مبالغات وسائل الإعلام المناوئة للإخوان بشأن أبو الفتوح تحديدا وتقديمها له على أنه ثانى اثنين هما المؤهلان فقط لاجتياز الانتخابات الرئاسية بنجاح. والآن تبين لى ولغيرى أن مواقف الإخوان من الدكتور أبو الفتوح قبل الثورة وبعدها كانت هى الأصوب، بعدما قدم نفسه وحزبه فى عدة مناسبات، آخرها لقاؤه مع طلاب وقيادات جامعة بنى سويف الأسبوع الماضى، بشكل مرتبك يحمل كثيرا من التناقضات ولا ينم عن حس سياسى راق كما كنا نتوهم، بل يكشف حالة من التربص، وانحيازا أعمى للمصلحة الخاصة على حساب المبادئ، ولك أن تستعرض أقوال وقرارات وبيانات ومواقف أبو الفتوح وحزبه التى تطابقت فى أحايين كثيرة مع ما تتبناه وتعلنه "جبهة خراب مصر" المسماة زورا ب"جبهة الإنقاذ"، ومنها دعوته للتصويت ب"لا" على الدستور الجديد وادعاؤه أنه يرسخ سلطة الفرد، وقوله: "إن الانتخابات الرئاسية المبكرة هى الحل للأزمة الحالية التى تمر بها البلاد"!! ماذا جرى يا دكتور عبد المنعم وأنت من يعلم جيدا من هو "مرسى" ومن هى "جماعته" لأنك كنت قياديا فيهم يوما ما؟ هل إلى هذا الحد يمكن أن يكون الخلاف السياسى سببا لهذه المفتريات من الأقوال والمواقف التى تتناقض تماما مع ما كنت تؤمن به من مبادئ وتصب فى خانة أعداء الثورة والوطن؟ ألست تشعر بأن شعبيتك وحزبك فى تراجع مستمر بسبب هذه الصدمات التى تفاجئون بها الرأى العام، أم أنكم ما زلتم تعيشون وهْم الشعبية بعد كمّ الأصوات المقدر الذى حزته فى انتخابات الرئاسة؟ إن الثبات على المبدأ ووضوح الرؤية هما أبرز أركان لعبة السياسة، بجانب كونهما أقصر طرق النجاح فى كل نواحى الحياة، لكن بعض السياسيين فى بلادنا يهدمون هذين الركنين بجمع كل المتناقضات فى خطابهم السياسى وتبديل مواقفهم من آن لآخر، وهو ما يعنى قصر نظر سياسى شديد وربما غيابا تاما للرؤية. وإذا كانت المواقف المرتبكة و"الهرتلات" السياسية لبعض الأطراف ناتجة عن قلة وعى وقلة خبرة، أو عن انحيازات شخصية ومطامع آنية محدودة، فبماذا نفسر وقوع من نفترض فيهم الوعى والخبرة ويمتلكون قدرا من البصيرة فى لجة التناقض ومستنقع المصالح الذاتية الضيقة دون إدراك لأن الثمن السياسى لأفعالهم سيكون باهظا؟. شخصيا لا أحب إساءة الظن بأحد، لكن المواقف الفاصلة لها رجالاتها، والأيام ستكشف لنا أسرار هذه المواقف الملتبسة وخباياها من شخصيات معتبرة مثل الدكتور أبو الفتوح، وحسابهم على الله، لكنى أذكرهم بقول الله تعالى فى سورة المائدة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)).