لم تعد الجهات الرقابية فى الدولة قادرة على ملاحقة جرائم تهريب المواد البترولية (بنزين وسولار) من كثرتها وضخامة الكميات المضبوطة، والمؤكد أن الذى يجرى بحق التهريب يتم عبر شبكة واسعة من المحنكين وذوى الخبرة الواسعة فى هذا المجال وذوى النفوذ، وكذلك ذوى القدرة الفذة على تصريف المواد المهربة إلى مستقرها النهائى.. هى سوق واسعة لكنها خفية تديرها شبكة عنكبوتية لا تقل خطورة عن شبكات تهريب السلاح والمخدرات، والأمر بالنسبة لتهريب المواد البترولية ليس سهلا، فما يتم تهريبه هو كل المنتجات البترولية تقريبا من البنزين والسولار، ومن يراجع الأرقام المضبوطة خلال أسبوع واحد سيصدق ذلك؛ ففى يوم الثلاثاء الماضى (16/3/2013م) وحده تم ضبط أكثر من 12 مليون لتر بنزين وسولار فى محافظة القليوبية، فقد أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية، أن الأجهزة الرقابية كشفت تورط أحد الأشخاص بالاستيلاء على كميات كبيرة من المواد البترولية "السولار والبنزين"، وتهريبها إلى السوق السوداء، وأكدت المذكرة التى حررتها مديرية التموين بالقليوبية استيلاء هذا الشخص على 5,384 ملايين لتر بنزين، و7,4 ملايين لتر سولار عن طريق قيامه بصرف حصص من هذه السلع لمحطة وهمية، بالتعاون مع بعض المسئولين بالجمعية التعاونية للبترول. وقبل ذلك تمت إقالة مجلس إدارة إحدى شركات البترول بالكامل، وبعد ذلك تم ضبط مسئولين فى وزارة البترول حيث تبدأ الخطوة الأولى للتهريب. وأستطيع أن أؤكد هنا من خلال خبرتى الواسعة عن الفساد فى قطاع البترول المصرى أن شبكة المهربين التى يتم ضبطها هى رأس جبل جليد الفساد، وأن وزارة البترول نفسها بقطاعاتها المعنية هى الجبل ذاته، إنها شبكة كبيرة وخطيرة عششت فى قلب وزارة البترول منذ عهد وزير البترول الأسبق عبد الهادى قنديل (1984-1991م)، وتضخمت وتوحشت حتى باتت تتاجر فى بترول مصر بكل مشتملاته ومكوناته ومتعلقاته.. بدءا من مناطق الاستكشاف ومرورا بعقود الشركات ونهاية ببيعه فى الأسواق المحلية وتصريفه فى السوق المحلية.. وفى كل مرحلة تشكلت مافيا حماها النظام السابق؛ لأنه كان المستفيد الأول من نهبها وفسادها، وقد كان لى شرف المشاركة فى أوسع حملة صحفية ضد الفساد فى قطاع البترول على صفحات جريدة الشعب فى الفترة من عام 1989م حتى إقالة السيد عبد الهادى قنديل عام 1991م، وذلك جنبا إلى جنب مع أستاذى الدكتور محمد حلمى مراد الأمين العام لحزب العمل فى ذلك الوقت يرحمه الله، والمهندس محمد طالب زارع وكيل وزارة البترول الذى حركه ضميره للخروج عن صمته وفضح ما يجرى من فساد، وناله فى ذلك من العنت ما ناله، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيه خير الجزاء، كما شارك معنا مجموعة من ذوى الضمائر الحية داخل وزارة البترول. ورغم ما قدمناه من وثائق على الفساد الخطير فى ذلك القطاع إلا أن النظام جرجرنا إلى ساحات نيابة أمن الدولة العليا مرات عديدة، ثم إلى ساحات المحاكم التى برأت ساحتنا، كما تعرضنا لحملة تشويه إعلامية ضخمة شنها إعلام العار خادم النظام، وقاد جانبا منها الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء يرحمه الله. أكتب هذه السطور بهذه المعلومات المختصرة لا لشىء إلا لتذكير وزير البترول المحترم أسامة كمال بتلك الملفات المنسية، مطالبا إياه -وهو رجل مشهود له بالكفاءة العالية ونظافة اليد، ولا أزكى على الله أحدا- بفتح تلك الملفات إن أراد بدء حملة لاقتلاع الفساد من جذوره فى قطاع البترول، وملفات تلك الفترة وفترات الوزراء السابقين عليه جميعا موجودة لدى الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية. أما الاكتفاء بمطاردة شاحنات السولار والبنزين والمحطات الوهمية والسماسرة فتلك أمور مهمة، ولكنها تبقى فى إطار المسكنات، وتظل فى خانة قطع أطراف الأخطبوط والبقاء عليه شحما ولحما.