ما حدث فى موقعة الجبل بالمقطم يوم الجمعة الماضى يحتاج إلى وقفات جادة ومواقف غير ملتبسة من جميع القوى والتيارات السياسية بعد أن أصبح الوطن على المحك. فالمشكلة أن هناك من يشجع على العنف وهناك من يحبذه ويرى أنه يفيده سياسيا ويصب فى مصلحته ويحقق شيئا من أهدافه، بل هناك من يقف وراءه ويدعمه ويغذى روافده. وإذا سألت أحدهم ادعى حديثا ممجوجا عن الاحتقان والانسداد السياسى وأخذ يبرر العنف ويرى له دوافع نبيلة تقف من ورائه وتبرر ممارسته حتى وإن أدى إلى إحراق الوطن ومن فيه. وأذكر هنا بمواقف كافة القوى السياسية فى فترة التسعينيات عندما سادت موجة من العنف المسلح على يد بعض التيارات الإسلامية التى تراجعت بعدها وصوبت أخطاءها وصححت مسارها. حينها كانت هناك انتهاكات من السلطة لحقوق الإنسان، وكانت هناك عمليات قتل واسعة تتم فى الشوارع وعلى قارعة الطريق ضد الجماعات التى مارست العنف كرد فعل على هذه الانتهاكات، وكانت هناك عمليات تعذيب واسعة تمارس على المتهمين المحتملين فى قضايا العنف. ساعتها رفضنا ورفضت معنا كافة التيارات والقوى السياسية فى إجماع واضح وتضامن غير ملتبس على أن رفض الممارسات الإجرامية للنظام حينها لا يمكن أن يكون بحال مبررا لأحداث العنف التى تستهدف مواطنين أو شخصيات عامة. اليوم القوى السياسية نفسها التى كانت ترفض أى حديث عن تبرير العنف أو تسويغه أو تفهم دوافعه هى التى تبادرنا بحديث سافر عن تبرير العنف وتفهم دوافعه، بل ربما يصل الأمر بالبعض إلى التحريض على العنف المطلق بديلا من الحلول السياسية. وبالرغم من الاختلاف البين والتباين الواضح بين السابق واللاحق، بين حالة الانسداد السياسى فى العهد البائد الذى صودرت فيه الأموال ومنعت كافة التيارات السياسية من حقها فى التعبير وتشكيل الأحزاب والكيانات وبين واقع بات العمل السياسى والاجتماعى فيه بالإخطار والتظاهر السلمى والنقد متاحا حتى وإن وصل لرأس الدولة، إلا أن هناك من يتكلم عن الانسداد السياسى بوصفه سببا لتبرير العنف. والأخطر من ذلك أن هناك من يرى أن العنف هو الوسيلة الوحيدة المتاحة والمباحة لحسم الخلاف فى الرؤية السياسية مع تيار أو حزب حاكم. والحل الذى لا نرى له بديلا اليوم هو إجماع كافة القوى والتيارات السياسية بشكل حاسم على رفض العنف ورفض أى تبرير أو تسويغ له، بل والتصدى لدعاته والوقوف ضد مسوغيه.