منذ أن سقطت الخلافة الإسلامية فى تركيا قام المستشرقون بحمله ثقافية وتعليمية عارمة لتشويه صورة الحكم الإسلامى وتغيير شكل المجتمعات الإسلامية لتحويلها إلى مجتمعات فاقدة لهويتها تابعة ثقافيا لدول الغرب التى كانت قد انسلخت من المسيحية بعد أن قام قساوسة الكنيسة فى أوروبا بتشويه صورة الدين المسيحى؛ مما جعل الشعوب الأوروبية تتحول إلى شعوب علمانية لا تعرف الدين إلا عند الولادة والزواج والموت وذلك فى أحسن الأحوال. بل أصبح هناك من الأوروبيين من لا يرى الكنيسة مطلقا. لقد وجدت الصهيونية العالمية فى المذهب العلمانى ضالتها المنشودة لأنه المذهب الدنيوى الذى يمكن من خلاله صرف المسيحيين والمسلمين عن عقائدهم وتحويلهم إلى شعوب لا هم لها إلا حياتها الدنيا. والغريب أن الصهاينة الذين صرفوا المسيحيين عن دينهم فى الغرب وهم يحاولون الآن صرف المسلمين عن دينهم فى الشرق تظاهروا بأنهم متمسكون بدينهم، فحافظوا مثلا على عطلة يوم السبت فى دويلة إسرائيل التى سموها باسم أحد أنبياء الله المكرمين حتى يوهموا العالم بأنهم أهل عقيدة سماوية مقدسة يمكنهم عن طريقها السيطرة على القدس الشريف. هناك بالتأكيد فارق مهم بين اليهود والصهاينة، فاليهود من أتباع سيدنا موسى عليه السلام يؤمنون بالتوراة ولا يعترفون بقيام دولة إسرائيل الكبرى وهم يرضون بالتعايش مع أصحاب الديانات الأخرى وهم باقون حتى يومنا هذا فى بعض دول العالم وهم يرفضون التجمع فى دويلة الصهاينة. أما الصهاينة فهم الذين حرّفوا التوراة وبدلوها بالتلمود واعتنقوا فكرة إقامة دولة إسرائيل الكبرى وأسموها دولة المسيح المخلص وجعلوا عاصمتها القدس وحدودها من النيل إلى الفرات واخترعوا ما أسموه حرب "أرمجيدون" وأسموها "حرب آخر الزمان" وادعوا أن السيد المسيح عليه السلام سينزل على شريعتهم التلمودية ليخلصهم من معتنقى كل الأديان الأخرى قبل قيام الساعة. ولقد وجدت هذه العقيدة القبول عند بعض المسيحيين الذين أصبح لا همّ لهم إلا قضاء حياتهم الدنيا بأفضل ما يتاح لهم من رفاهيات، وعليه فلقد تحولت معظم الشعوب الأمريكية والأوربية إلى ماكينات تنتج وتستهلك ليصب ناتج ذلك كله فى بئر الصهيونية العميقة. ولكن بعد أن كادت الصهيونية العالمية تحقق أغراضها فى دول الغرب عن طريق تحكيم زعماء علمانيين على الشعوب العربية بدأ من أتاتورك ثم عبد الناصر وبورقيبة ومن تبعهم كالقذافى وصدام ومبارك وبن على، فوجئت الصهيونية العالمية ببروز تيار الصحوة الإسلامية الذى تنامى فى العالم الإسلامى منذ مطلع سبعينيات القرن الماضى. لقد ظنت الصهيونية العالمية أنها ستسيطر على المشرق العربى عن طريق نظام الحكم الديمقراطى الذى يجعل دساتير الحكم تعتمد بالكلية على العقل البشرى القاصر الذى لا مرجعية له كما فعلت فى أوروبا. لكن ما أسقط فى أيدى الصهاينة الآن هو أن الفكر الإسلامى استطاع أن يقدم بديلا عالميا يجمع بين احترام الثوابت الإلهية من ناحية ويحقق تطلعات الشعوب فى أن تحكم نفسها بطرق ديمقراطية حديثة. إن القلاقل التى تدور الآن فى دول الربيع العربى هى فى حقيقة الأمر صراع بين قوى تؤمن بأن الحاكمية لله تعالى وقوى أخرى مخدوعة بالمادية الصهيونية التى تغوى الناس بمباهج الحياة الدنيا وزخرفها وتنسيهم حقوق الخالق عليهم. لا شك عندى أن الذين يعادون رغبات الشعوب العربية اليوم بأن تحكم شرع الله إنما هم مخدوعون بأباطيل الصهيونية وينفذون خططها من حيث لا يشعرون وهم لا دينيون وإن صلوا وإن صاموا.