فى صبيحة إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات الرئاسية فى نهاية شهر يونيو الماضى، نشرت مقالا بعنوان "البلد دى بلدنا كلنا"، وذكرت فيها أن مصر مقبلة على تاريخ جديد، حيث إنه لأول مره منذ آلاف السنين يقوم الشعب المصرى باختيار حاكمه اختيارا شعبيا حرا، ويمارس الشعب أهم حقوقه بكل حرية فى هذا الاختيار، وأن ممارسة الحق تستتبع أداء الواجب. وأهم واجبات الوقت فى حينه هو أن نتعاون جميعا فى تحقيق نجاح هذا الوطن، الذى هو قلب هذه الأمة العربية والإسلامية، وأن نعمل ونكد كلنا وليس فصيلا منا أو حزبا. بالطبع كانت النسبة التى فاز بها الدكتور مرسى مخيبة للتطلعات، حيث كنا نتوقع أن يفوز بنسبة كبيرة فى مواجهة رمز النظام، الذى قامت عليه ثورة الجماهير، ولكنه الشعب المصرى الذى لا يمكن أن تتوقعه أو تتوقع خطواته بشكل كامل بعد هبوب عاصفة الثورة. وبدا أن مصر كلها سوف تعيش مرحلة ديمقراطية حقيقية حتى من المختلفين الذين لم يوفقوا فى الانتخابات قبلوا بالنتيجة، وارتضوا بها لحين الانتهاء من مدة الرئاسة والاستعداد للانتخابات التالية. ولكن يبدو أن القدر أراد أن يمحص هذا الشعب العظيم، ويختبر صبره؛ لأن هذا الشعب مقدر له -فى تقديرى- أن يقود الأمة العربية والإسلامية، وأن يكون نموذجا للبشرية جمعاء، وهى مهمة ليست سهلة فيجب أن يختبر. فبدأت أولى الأزمات أين يُقسم الرئيس؟ ثم أزمة سيناء وخروج العسكر، وتلتها أزمات أخرى: الدستور، والنائب العام، وخلافه، أربكت السلطة الجديدة فى الاتحادية، وكان الأداء الغالب هو ردة الفعل مع الأحداث، وتأخر الاهتمام بالطبقات والفئات التى كانت تنتظر استقرار الأوضاع لكى تجنى ثمار الثورة التى أيدتها. خلال هذه الأزمات بدأت تظهر نبرة غريبة لتقسيم الصف بين القوى السياسية وفكرة "الأخونة"، وأصبح الإخوان الذين أجمع الداخل بكل طوائفه والخارج بمختلف اتجاهاته على دورهم فى إنجاح ثورة يناير، متهمين بتقسيم الوطن، ومحاولة السيطرة عليه. بلا شك هناك بعض الأخطاء، فقل من لا يخطئ، كما حدثت بعض المواقف والتصرفات التى كان من الممكن إخراجها بشكل أفضل، ولكنه اجتهاد ويؤجر عليه أصحابه أجرا واحدا حتى لو أخطئوا. وكان من الواجب على القوى الأخرى أن ينصحوا بالحسنى. وفى تقديرى أن الإخوان وحزب الحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة قدمت أكثر من محاولة لرأب الصدع من أجل إنجاح الوطن، وطرحت المبادرة تلو الأخرى، وامتدت الأيدى، وكانت أهمها اعتذار الأستاذ المرشد عما حدث من أخطاء من جانب جماعة الإخوان، ودعوته لفتح صفحة جديدة لتلتقى شركاء الوطن، ولكن للأسف لم يحدث ما كنا نأمله جميعا بأن يتحمل الجميع مسئولية اللحظة، فهل امتدت الأيدى بشكل غير كاف أو أنها امتدت بالاتجاه الخطأ؟ المهم أننا عشنا فى مرحلة من عدم الاصطفاف، وبدأ أعداء الوطن فى الداخل والخارج يزايدون ويوظّفون هذا التباعد بين أبناء الوطن الواحد فى زيادة الفُرقة، وإشاعة روح الإحباط والفشل فى جماهير الشعب. ونحن الآن نعيش قمة اللامعقول، فبعد أن أثنى علينا العالم أجمع، وقام بتقليد النموذج فى التحرير فى ميادين نيويورك ولندن وتورونتو وغيرها من عواصم العالم. نجد أننا تقهقرنا ونعيش الفوضى بعينها، والانقسام والتردد فى جنبات الوطن وأقاليمه كافة. فبين قطع الطرق والسكة الحديد وتفشى الجريمة جهارا نهارا هنا وهناك. ثم محاصرة قصر الرئاسة فى الاتحادية، وإلقاء القنابل الحارقة عليه. وأخيرا ما يجرى فى بورسعيد ومحاوله تشويه صورة شعب بورسعيد الباسل وتاريخه المشرف من أجل حفنة من البلطجية المأجورين، الذين يفرضون على أصحاب المصانع والعمال وقف العمل بها، ويجبرون المحلات التجارية على الإغلاق بحجة الانضمام للعصيان المدنى. وهذه الأوضاع دفعت الكثيرين إلى المناداة باستخدام العنف والشدة تجاه المخربين، والجميع بمن فيهم المطالب الفئوية حتى تعود الأمور للاستقرار، وطالب البعض بأن يعود العسكر مرة أخرى للحياة السياسية، وهذا هو المطلوب من قبل أعداء الثورة أن يعود الفرعون مرة أخرى لسدة الحكم، ويخوّفون الناس بالاهتزاز الأمنى وعدم الاستقرار، وتأخر انتعاش الأوضاع الاقتصادية. وهذا ما كان ينادى به ممثل النظام السابق والثورة المضادة فى الانتخابات الرئاسية "أنا أو الفوضى". وكأنه حكم علينا كمصريين أن نعيش الذل والهوان تحت حكم الفرعون إلى أبد الدهر. فهل تبحث مصر فعلا عن الفرعون؟ وهل سوف يتقبل الشعب المصرى حكم الفرعون مرة أخرى؟ كلا وألف كلا، ولن نحكم بالفرعون مرة أخرى -إن شاء الله- وهذا يحتاج أن ينادى به الشعب كله ويمارسه؛ لأننا يحق لنا أن نعيش أحرارا، ولن نتنازل عن الحرية مرة أخرى، فالحرية هى أساس الإصلاح، وهى التى سوف تؤدى للاستقرار والعدل والتقدم وغيرها من المفاهيم والقيم، التى نَصبوا إليها جميعا. وهذا لن يتحقق إلا بالالتفاف حول إرادتنا الحرة، وممارسة النموذج الديمقراطى حتى النهاية، ونحتكم إلى الصندوق دائما، ونلتزم بنتائجه، وهو يضمن أنه لن يأتى لنا بفرعون جديد، فمدته محدودة. الأكثر أهمية هو أن يكون لنا جميعا دور إيجابى فيما يحدث حولنا من أحداث، فمن يقطع الطريق يجب أن يواجه، ومن يغلق المصانع يجب أن يواجه، ومن يخرب فى الدولة يجب أن يواجه. وعلينا جميعا هذه المواجهة وليست على فصيل واحد أو حزب واحد، بل كلنا مطالبون بالحفاظ على هذا الوطن، فهو وطننا جميعا، ولا تملكه فئة أو فرد مهما كان مخلصا. كما يجب علينا أن نتحد كما اتحدنا فى 25 يناير، ولكن ليس لإسقاط النظام، بل لإسقاط مَن يريدون إسقاط الثورة. وإذا كنا نعيش مرحلة حرجة مملوءة بالتحديات، ولكننا أيضا نرى الكثير من المظاهر الإيجابية فى حياتنا كل يوم. فنجد أمين الشرطة الذى يضحى بحياته من أجل عدم إتمام السرقة، ونجد المدرس الذى يصر على عدم إعطاء الدروس الخصوصية، ونجد الموظف المكافح الذى يرفض الرشوة؛ للمحافظة على المال العام، ونجد العالم الباحث إلى أن يحصل على أفضل جائزة تنموية عالميا وغيرهم. فلننظر للنصف المملوء من الكوب وندعم ونبنى على ما يوجد من هذه الإيجابيات ولو على مستوى الحى أو الشارع، وعلينا أن نبذل أقصى ما يمكن من جهد من أجل أن نعيش حياة كريمة لنا ولأولادنا وأحفادنا من بعد.