لا أعرف ما هو سر البعض فى الهروب من صميم التجربة الديمقراطية التى تعتمد على قاعدة أن الشعب هو مصدر السلطات؟ .. ولا أعرف كيف يتجه البعض إلى كسر هذه القاعدة والاعتماد على أفكار "بالية" كل هدفها العودة بنا إلى عصر الديكتاتورية وحكم العسكر؟. اعتبر هؤلاء الأشاوس قيام بعض أهالى بورسعيد بعمل توكيل للفريق عبد الفتاح السيسى -وزير الدفاع- لكى يعيد حكم العسكر هو نوع من البطولة الوطنية والتقدم إلى الأمام!. للأسف هذه النوعية تعيش فى جلباب الماضى، ولا تريد أن تصدق أن مصر قامت بها ثورة، وأن الشعب لن يرضى بأوصياء عليه مرة أخرى حتى لو كان الجيش. يا سادة.. عصر فرض الحكام انتهى إلى الأبد وثورة 25 يناير لن يقف إمامها أحد. فبعد أن امتلك الشعب حريته لن يفرط فيها مرة أخرى. وتؤكد محاولات هؤلاء المراهقين سياسيا من أجل وقف قطار الديمقراطية مدى الفشل الذى أصيبوا به؛ لدرجة أنهم تخيلوا أن الجيش سيعود إلى لعبة السياسة مرة أخرى بعد الثورة. يا سادة، الثورة لم يقم بها الجيش، بل قام بها الشعب.. والشعب فقط من بيده القرار، فيمنح السلطة لمن يشاء وينزعها ممن يريد.. وهو الذى منح الرئيس محمد مرسى الكرسى عن طريق انتخابات حرة، ويستطيع أن يحجبه عنه بنفس الطريقة. ولا أنكر على المعارضة أن تنتقد الحكم وتقول ما تشاء، ولكن أن تحاول إلغاء فكرة الديمقراطية، وفرض رأيها بالقوة عن طريق عصيان مدنى بالبلطجة أو توكيلات "مزيفة" فهذا هو المرفوض. نعم سيظل للجيش دور وطنى لحفظ الأمن، سواء على الحدود أو داخل مصر فى حالة الانفلات، ولكن هناك فارقا بين الاستدعاء "السياسى" والاستدعاء "الأمنى".. فما يفعله الرئيس محمد مرسى الآن هو الحفاظ على المؤسسة العسكرية بعيدا عن السياسة وتبعاتها.. أما ما يفعله الدكتور محمد البرادعى وأتباعه فهو إعادة هذه المؤسسة لملعب السياسة مرة أخرى رغم أنهم أول من نادوا بإسقاط حكم العسكر. وهذا يعكس فارق الرؤى بين الطرفين.. طرف أبعد الجيش عن السياسة، رغم أنه لم يدخل معه فى صدام طوال الفترة الانتقالية وحتى تسلم أول رئيس مدنى لمقاليد الحكم.. وطرف آخر يقوده البرادعى يريد أن يعيد العسكر للمشهد رغم أنه اصطدم بالعسكر خلال العام والنصف التى تلت الثورة وكان سببا فى وقوع مئات الشهداء. ومن وجهة نظرى، سوف تنتصر رؤية مرسى المتعلقة بإبعاد الجيش عن السياسة؛ لأنها تتماشى مع أهداف الثورة التى أسست لأول سلطة مدنية تحكم مصر منذ ثورة 1952. باختصار.. لن تعود الساعة إلى الوراء.. وسيواصل أول حكم مدنى شق طريقه رغم الصعاب التى يواجهها.. ولكن على الرئيس أن ينتبه أن معارضة حقيقية تلوح له فى الأفق من قلب الشارع المصرى الذى تضرر كثيرا مما يحدث. انتبه سيادة الرئيس، من مطالب الشارع الحقيقية والقوى المخلصة التى شاركت فى الثورة ودعك من معارضى "الميكروفونات" و"التوكيلات".