أعد الخبير الأثرى المصرى الدكتور عبد الرحيم ريحان، دراسة أثبت فيها خطأ الفكرة التى تقول إن العالم الاسلامى لم يعرف الفن المسرحى إلا على يد الأوروبيين عام 1847م، بداية بمسرحية مارون النقاش، والتى ترجمها عن مسرحية موليير، تحت عنوان "البخيل". وأن العالم الإسلامى عرف فن المسرح شكلا ومضمونا، ويستند فى قوله إلى البحث الأثرى للدكتور ماهر الخولى، مدير عام التوثيق الأثرى بالدقهلية ودمياط، بعنوان "التكية المولوية دراسة حضارية وأثرية" والذى يثبت بدوره أن مفردات فن المسرح المتمثلة فى المؤدين، وهم (الممثلون والنص المسرحى والخلفيات والمناظر والإضاءة ووجود العنصر الحركى ووجود المتلقين أو الجمهور قد اجتمعت كاملة دون نقص فى المسرح الإسلامى). يذكر أن المسرح الإسلامى كان مسرحا أوبراليا خالصا، ولم يكن مسرحا دراميا، بمفهوم أرسطو لتعريف فن الدراما. ويؤكد ريحان أن المسرح الإسلامى نشأ على يد جماعة صوفية عرفت فى تاريخ التصوف ب"الطائفة المولوية"، وهم أتباع ومريدو الشاعر والفيلسوف جلال الدين الرومى، ولهؤلاء المولوية نظرة وفلسفة خاصة للحياة الدنيا والآخرة وعلاقة الروح بالجسد وقيمة الموسيقى فى السمو الروحى والترقى الوجدانى. جدير بالذكر أن ظهور المولوية إلى النور يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر الميلادى، وقاموا بإنشاء تكاياهم والتى اتخذوها كدور عبادة يعزلون فيها الناس ويتفرغون لعبادة الله. أما عن التصميم الهندسى لهذه التكايا، فقد تكونت من قاعة داخلية واسعة والسمعخانة، وهى قاعة تستخدم للذكر والصلاة والرقص الصوفى الدائرى. وهذه القاعة هى التى يشير إليها الدكتور عبد الرحيم ريحان فى دراسته؛ حيث توافرت فيها جميع آليات المسرح من خشبة دائرية وخلفية وإضاءة طبيعية وصناعية وبناوير للمشاهدين ونص مسرحى تمثل فى ديوان المثنوى لجلال الدين الرومى والذى وصفه مؤرخو الفنون بأنه عمل خالد يصعب على الفكر الإنسانى أن ينتجه مرتين. نعود لاستكمال التصميم الهندسى للتكية لنجد مجموعة غرف للمريدين، وغرفة واسعة لاستقبال العامة أو الجمهور، وقسم للحريم، وقاعة طعام واسعة ومطبخ. انتشرت الطريقة وانتشرت التكايا بعد الفتح العثمانى ليصل عددها عام 1491م إلى 72 مولوية، وفى عام 1596م، أقيمت التكية المولوية بالقاهرة وهى الوحيدة الباقية حتى الآن؛ حيث قام كمال أتاتورك بعد وصوله إلى الحكم على رأس الثورة العلمانية، بالقضاء على الطريقة المولوية وكل ما يمت إليها بصلة. ويقول الدكتور عبد الرحيم ريحان إن المسارح الإسلامية -التكايا المولوية- أضاءت جنبات المدن العربية والتركية، وكان ذلك قبل جماعة كاميراتا ومسارح الإنجليز بزهاء قرنين كاملين من الزمان؛ حيث إن أقدم وثيقة لمسرح المولوية بالقاهرة تعود إلى عام 1005ه، وهى وثيقة يوسف سنان باشا التى تقع بشارع السيوفية بالحلمية الجديدة. ويصف ريحان المسرح الإسلامى بالقاهرة وهو قاعة السمع خانة والتى تتوسط التكية، وهى قاعة خشبية كبيرة مستديرة الشكل تجمع بين المذهبين الشيعى والسنى، وترتكز على 12 عامودا، وتضم 8 شبابيك و8 وحدات زخرفية ترمز إلى أبواب الجنة الثمانية، ينفصل عنها درابزين مخصص للحضور الذى يأتى للفرجة ومشاهدة الذكر والإنشاد، ويحضر المريدون ما يعرف بالأداء الدائرى لمدة ساعات يدور المؤدون فيها حول مركز الدائرة؛ حيث يقف المرشد الروحى. ولفت إلى أن المسارح الأوروبية قد انتقلت عن المسرح الإسلامى واعتمدت فى طور تكوينها على الرمزية التى أسس لها فى فرنسا الشاعر البلجيكى الأصل بول فورت والذى كان يمتهن الطب قبل ذلك لمدة 15 عاما عمل بها فى التكية المولوية بالقاهرة، كما يتضح هذا النقل كذلك فى التكوين الشكلى والمعمارى لمسرح جلوب الشكسبيرى والمطابق لمسرح المولوية بالقاهرة، مع الأخذ فى الاعتبار السبق الزمنى لمسرح المولوية، وكذلك التطابق اللفظى والمعنوى للكثير من أشعار شكسبير مع أشعار جلال الدين الرومى، ويضيف أنه من الثابت تاريخيا ولع شكسبير بأشعار الرومى؛ حتى إنه كان يحتفظ بأشعار المثنوى فى غلاف من أشهر قصائده. تدور الأيام وتأتى الدراسات تباعا لتثبت الريادة لأسلافنا فى شتى مجالات العلوم والفنون والتى تخلينا وتخلفنا عنها كثيرا، فهل تكتمل الدائرة ويعود إلينا لواء الريادة من جديد؟