تعرف على موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة    ترامب يشن هجومًا على القضاء الإسرائيلي لمحاكمته نتنياهو    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    21 طالبًا مصريًا في برنامج التدريب الصيفي بجامعة لويفيل الأمريكية    راغب علامة يكسر الرقم القياسي في "منصة النهضة" ب150 ألف متفرج بمهرجان "موازين"    الدولار ب49.85 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 26-5-2025    وفد برلماني من لجنة الإدارة المحلية يتفقد شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء    نشرة التوك شو| حقيقة "الطرد الإجباري" في قانون الإيجار القديم.. والحكومة تحسم الجدل بشأن تخفيف الأحمال    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    بينهم إصابات خطيرة.. 3 شهداء و7 مصابين برصاص الاحتلال في الضفة الغربية    نتنياهو يُصدر أمرًا بالتدخل عسكريًا لمنع نجاح عشائر غزة في تأمين المساعدات    5 أيام حمائم.. كيف انتهت حرب إيران وإسرائيل ب"شكرًا لحسن تعاونكم معنا"؟    "صن داونز الأعلى".. كم حصدت الأندية الأفريقية من بطولة كأس العالم للأندية؟    بعد إعلان رحيله.. ماذا قدم حمزة المثلوثي مع الزمالك خلال 5 سنوات؟    الأسرة كلها فارقت الحياة.. أب يلحق بزوجته وطفلتيه إثر حادث أليم بالمنيا- صور    مها الصغير تتهم أحمد السقا بالتعدي عليها داخل كمبوند في أكتوبر    إصابة 10 أشخاص في حادث على طريق 36 الحربي بالإسماعيلية    تعرف على قرار النيابة العامة بعد سقوط "مسئول حكومي" من الطابق السادس    إحالة أوراق 4 متهمين للمفتي لقتلهم تاجر بغرض السرقة    أحمد حسام ميدو في قسم شرطة النزهة.. ما القصة؟    محمد رمضان: "رفضت عرض في الدراما من أسبوع ب 200 مليون جنيه"    التشكيل الرسمي لقمة الإنتر ضد ريفر بليت فى كأس العالم للأندية    مؤتمر إنزاجي: سنحاول استغلال الفرص أمام باتشوكا.. وهذا موقف ميتروفيتش    يورو تحت 21 عاما - من أجل اللقب الرابع.. ألمانيا تضرب موعدا مع إنجلترا في النهائي    رويترز: الدفاع الجوي الروسي يدمر طائرتين مسيرتين كانتا في طريقهما إلى موسكو    شديد الحرارة وتصل 41 درجة.. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم الخميس    «نقل الكهرباء» توقع عقدًا جديدًا لإنشاء خط هوائي مزدوج الدائرة    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    تمريض حاضر وطبيب غائب.. رئيس الوحدة المحلية لنجع حمادي يفاجئ وحدة الحلفاية الصحية بزيارة ليلية (صور)    قافلة طبية لعلاج المواطنين بقرية السمطا في قنا.. وندوات إرشاية لتحذير المواطنين من خطر الإدمان    مينا مسعود يزور مستشفى 57357 لدعم الأطفال مرضى السرطان (صور)    إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تُلزم بإضافة تحذير عن خطر نادر للقلب بسبب لقاحات كورونا    صحة مطروح تنظم احتفالية كبرى بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالدم    رئيس كهرباء البحيرة يوجه بتأمين التغذية الكهربائية للقرى السياحية بمنطقة الضبعة    الزمالك يستقر على قائمته الأولى قبل إرسالها لاتحاد الكرة    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    مصطفى نجم: الزمالك على الطريق الصحيح    حضور جماهيرى كبير.. ويل سميث لأول مرة فى مهرجان موازين بالمغرب (صور)    «كوتش جوه الملعب».. ميدو يتغنى بصفقة الأهلي الجديدة    مع إشراقات العام الهجري الجديد.. تعرف على أجمل الأدعية وأفضلها    3 أيام متتالية.. موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 للقطاع العام والخاص بعد ترحيلها رسميًا    الدفاعات الإيرانية تسقط طائرة مسيّرة مجهولة قرب الحدود مع العراق    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    «الشؤون العربية والخارجية» بنقابة الصحفيين تعقد أول اجتماعاتها وتضع خطة عمل للفترة المقبلة    محافظ قنا يتفقد مشروع تطوير ميدان المحطة.. ويؤكد: نسعى لمدينة خضراء صديقة للبيئة    هذا ما يحبه الرجال..3 أشياء تفعلها النساء الجذابات بشكل منتظم    4 أبراج «عارفين كويس همّ بيعملوا إيه».. غامضون لا يحتاجون إلى نصيحة وقراراتهم غالبًا صائبة    إصابة 11 شخص من كلب ضال فى الغربية    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. قفزة بأسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة محليًا وعالميًا    مع حلول العام الهجري الجديد 1447ه.. متى يبدأ رمضان 2026 فلكيًا؟    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    دعاء العام الهجري الجديد 1447ه مستجاب.. ردده الآن لزيادة الرزق وتحقيق الأمنيات    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمتين الإسلامية والعربية بالعام الهجري الجديد    إيران تفتح المجال الجوي للنصف الشرقي من البلاد للرحلات الداخلية والدولية    بلاغ رسمي ضد أحمد السقا.. طليقته تتهمه بالاعتداء عليها وسبّها أمام السكان    جمال الكشكي: سياسة مصر تدعم الاستقرار وتدعو دائما لاحترام سيادة الدول    ممر شرفي من المعتمرين استعدادا لدخول كسوة الكعبة الجديدة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ. د. توفيق الواعي يكتب: يا أخى.. أناديك أم أناجيك؟ أن ترجع إلى عقلك.. فمصر أمانة فى عنقك

تأملت فى أحوالنا هذه الأيام وقلت هل نسى المسلمون أنهم إخوة، لقد نادى الإسلام الكريم بالأخوَّة العامة، وبيَّن للناس حقيقة تلك الوشيجة البشرية، وهى أنهم من أصل واحد، وأب واحد، وأم واحدة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 31]، وكأن الجاهلية المصرية فى غفوتها وفسادها اليوم تسمع هذا النداء لأول مرة، لأنها كانت لا تعيشه ولا تحسه ولا تتعامل به، وإنما كانت تتعامل بحقائق جاهلية، حقائق السادة والعبيد، والأجناس والقبائل والألوان، وما تعاملت بحقيقة الأخوَّة إلا فى ظل الإسلام، واليوم رجعت تلك البشرية إلى ما كانت عليه، فهل يستطيع إنسان مهما أوتى من روح قوية، وعزمة فتية أن يروِّدها دون إيمان، أو يصلحها بغير عقيدة؟ لا.. لن يستطيع ذلك إلا أصحاب الإيمان ورجاله، فهل يُسمع لهم ويُستعان بهم لتسمع البشرية اللفظ (الحبيب) مرة أخرى؟
يا أخى.. وذلك هو اللفظ الحبيب الذى ضاع فى دنيا الناس، فسلبت الأمن، وحرمت الحب، وعدمت الوحدة. يا أخى.. والسماء ملبدة بالغيوم، والليل حالك السواد، والعواصف تقتلع الحبال، والأعاصير تدمر كل شىء.
يا أخى.. فى بحور اليأس، وقيود الهوان، وذلة الأسر، وضياع العزيمة، وخور الهمة.
يا أخى.. فى ضياع الطريق.. وتنكب الصراط، ووعورة الوجهة، وتكاثر الأشواك.
يا أخى.. فى ذهاب البصر، وانعدام البصيرة، وفقدان الضوء، وحلوكة المكان.
يا أخى.. فى ثورة البراكين، وغضب الطوفان، وتحطم السفن، وبُعد الشاطئ.
يا أخى.. فى تخلى الناصح، وترك الدليل، وتسرب الأمل، وحلول اليأس.
يا أخى.. فى رعود الخوف، ولهيب الألم، وحقد الغشوم، وزفير الحميم.
يا أخى.. تآخت القتلة، وتعانقت قلوبهم، وتشابكت سواعدهم، وتجمع الباطل وتآزر، وتماسكت لبناته، وتساندت قوى البهتان، وتلاحمت خلاياه، وتراصت أسلحة العدوان، وتوحدت وجهتها.
وأنت أين؟! أين كنت أنت؟! أناديك أم أناجيك؟ إن كنت نائمًا تحرك واستيقظ.. إن كنت لاهيًا أقلع، إن كنت عابثًا ارعو، إن كنت هازلا جِد، إن كنت مخدوعًا اعقل، إن كنت أعمى أبصر، إن كنت جاهلا تعلم، إن كنتَ مريضًا استشف، لا تحب المرض، ولا تصادق العلة، ولا تدمن الهزال، ولا تستكن للضعف.. تحرك، فقد سار الجماد، وتقدم الواقف، ودار الزمان، وكرّت الأعوام.
يا أخى.. استنسر البغاث، واستوطن الطريد، وعز الذليل، وشمخ المهان. ومصر ما زالت يتيمة.
يا أخى.. نكس العلم، وقطع الساعد، وبكى الرضيع، وأجهش الكبير، وناحت المرأة، وأُخِذَت الدار، وهُدِم المنزل، ونُهِبَ المال، وهُتِك العِرض، وضاع الشرف، ودِيست الحرية من الرعاع.
يا أخى.. السماء تناديك، والتراب يناجيك، والأطياف تناشدك، والشهداء يستنهضونك.
يا أخى.. بح الداعى، وغاب الصباح، وتنازعتك المذاهب.
يا أخى.. تذكر أنك وارثُ مَجدٍ، ومؤسس تاريخ، وبانى حضارة، ورسول إلى العالم، وبيدك إكسير الحياة، فنح الغبار عن معدنك الصافى، وجنّب اليأس نفسك الشامخة، وابعد الوهن عن صدرك السليم، وأخرج الظلمة من قلبك الواعى، وألق الخبث عن زندك الأصيل، وصل روحك بالسماء، فجدد إيمانك، وعاهد ربك، وتلاق مع رسولك، وصل نفسك بركب الإيمان، وقافلة النور ومواكب المجد، وسر فى الطريق المستقيم، ولا تتنكب الجادة، واسمع ذلك النداء الحبيب: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. {قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161]. فأصلح بالك بالإيمان، وأنر طريقك بالحق: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2].
شدد أزرك كمسلم بأخوَّة الإسلام، فأخوَّة العقيدة أكبر من الأيام، وأقوى من الزلازل والرعود، لا تنفصم عراها، ولا تمور أواصرها، تُبنَى على عقيدة، وتُشادُ على مبدأ، وتُقام على هدف، الحب مادتها، والخُلق معدنها، والنقاء جوهرها، والإرادة الإلهية رباطها: {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
إن تدابرت الدنيا تعانقنا، وإن تباغض الناس تصادقنا، وإن تقاتل الناس تناصرنا، وإن تقاطع الناس تواصلنا، وإن تجاشع الناس تآثرنا.
قلوبنا متعانقة، وأيدينا متصافحة، ودماؤنا متكافئة، سلوا التاريخ عنا: مَنْ حقنَ الدماء؟! مَنْ وحد الشتات؟! مَنْ محا الظُلمات؟! مَنْ أذهب العصبية؟! مَنْ أنهض الهمم؟! مَنْ كوَّن الأمم؟! مَنْ طبق الإسلام؟! مَنْ نشر السلام؟! مَنْ حرر العبيد؟! من أحيا الموءودة؟! هم رجال الإيمان يا أخى وأصحاب العقائد، وأُسد الله، لا أصحاب الإثم، وقتلة البشرية، ومصاصو الدماء. لا تبتئس بعمل الرعاع ولا بصياح الجاهلين.
إن الشعار الكاذب للباغين لا يُغنى عن الحقيقة الناصعة، والسراب اللامع لا يروى من ظمأ، ولا يشفى من غصة، وإن الذئاب لا تعرف العطف، والثعالب الماكرة لا تعرف الصفاء. انظر إلى الديكتاتورية كيف وارت التراب نصف مليونا من البشر لا ذنب لهم إلا طلب الحق فى بلادهم، وشرَّدت مثلهم من بلاده، وتركتهم فى العراء.. نهبًا للجوع والمرض والآفات، وترمى بملايين الأطنان من القنابل والنابالم على السوريين فى كل مكان، لتذبح الشيخ، وتقتل الرضيع، وتشرد الأم، وتهلك الحرث والنسل، وضربت المدن، وأذلت الشعب، ولا يعلم إلا الله ما سيصيب البشرية من تلك الأنظمة الرهيبة، والتى تُعد كل يوم لتلك البشرية النكد، والإنسانية المعذبة، التى أراد لها حظها سوء الطالع أن يكون مصيرها فى يد هؤلاء المناكيد تجار الحروب وذيول المستعمرين.
لقد تقدمت البشرية عن طريق العلم، وحققت فى مجال الصناعات ما يشبه الخوارق، ولا تزال فى طريقها قدمًا فى هذا المجال لتحرز انتصارات واكتشافات باهرة فى كشوف الفضاء والأقمار الصناعية، ومحطات الهواء، ومراكب الفضاء.
ولكن!! ما أثر ذلك فى حياة النفسية والخُلقية لخونة الشعوب التى ما زالت تدعى أنها تعمل لصالح الإنسانية وخير البشرية؟ فهل وجدت السعادة؟ وهل زرعت الطمأنينة؟ هل حققت السلام؟ هل استراح الناس من شرور الجريمة؟ هل أوقف تيار الدماء؟ هل سادت العدالة؟ وسعدت القلوب؟ أم كان الشقاء والقلق والخوف والتوجس والريبة؟ إن الحضارة الإنسانية شىء آخر غير تخاريف الجاهلين، التى هى وبال على البشرية جمعاء، كالنار فى يد الأخرق، وكالسيف فى يد المجنون، وكالمدفع فى يمين المعتوه، وهى بهذا المعنى تجتاح الأخضر واليابس فى برهة من الزمان، وإلا فحدثونى بربكم: مَنْ أهلك الحضارات التى كانت ضاربة فى أعماق التاريخ؟ وبلغت عنان السماء، وشرقت وغربت، وجنت على البشرية فى أجيالها المتتابعة.
تصور معى حضارة سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِى مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15]، فماذا كان من أمر هذه الحضارة اليانعة؟ أفسدتها العقول، والمجتمعات الراعنة: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِى إِلاَّ الْكَفُورَ} [سبأ: 16-17].
وعادًا والذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا فارهين، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، والفراعنة الذين نبغوا فى الطب والهندسة والكيمياء والأرصاد، وما زالت آثارهم من ملايين السنين باقية حتى اليوم، من دمرها وبدّد هذه النهضة، ودك هذا التقدم، وضيَّع هذا الجهد؟ التخلى عن حضارة الإنسان، والسيرة الجائرة، والنفس النهمة، والضلال فى الوجهة، وعدم نبل المقصد، والزيغ فى العقيدة: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52].
{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ* فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 25-29]، فكان لا بد لصيانة الحضارة المادية من حضارة إنسانية لتحميها من عبث العابثين، ولهو اللاعبين، فجاء الإسلام بالحضارتين معًا تأخذ إحداهما بحق الأخرى لا انفصام لها، فأشعرت البشرية رباط الأخوة، وناداها الله إليها وبها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
فقول الله عز وجل {رقيبا}، وإشعارنا بذلك، لئلا تزيع النفوس عن ميزان الأخوَّة، وتظل تراقبه دائمًا وترعى حدوده، والآثار فى ذلك والآيات تعمق المعنى، سواء أكان بين المؤمنين أم مع المؤمن وغيره، حيث هناك أخوَّة إنسانية يجب مراعاتها، ونوديت الرسل بها، وعرفت حقيقتها: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85]، فلفظ الأخوَّة ملحوظ، وحبل المودة موصول، والحرص على ذلك أقوى فى الاستجابة، وأحنى فى الدعوة.
أخوَّة الإيمان: ثم تأتى أخوَّة الإيمان التى يتجمع عليها أصحاب العقيدة، ويراد من الإنسانية أن تستظل بظلها الظليل، فتتضاءل مدينة أفلاطون الفاضلة بجانب السطور الأولى لتلك الأخوَّة التى تذيب الناس فى جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، ويشهد التاريخ تطبيقًا عمليًا لتلك الأخوَّة الفريدة فى حادث الهجرة: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
ولم يعرف التاريخ البشرى كله حادثًا جماعيًا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخى، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر فى دار أنصارى إلا بقرعة، لأن عدد الراغبين المتزاحمين على الإيواء أكثر من عدد المهاجرين، وتطيب النفوس المحبة، وترغب وتفرح: {وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} مما يلقى الضوء على تلك القلوب المؤمنة، والأخوَّة الكاملة، بل {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا، وقد بلغ الأنصار إليها بما لم تشهد البشرية له نظيرًا.
وقد كانت هذه طبيعة أكسبهم الإيمان إياها بعد غسل الأدران، وزحزحة الركام: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وليس ذلك حدثًا طارئًا، أو برقة خاطفة فى أهل الإيمان، بل هى صبغة الله للرجال الذين يحملون مشاعل الإيمان: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10].
هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار ولم يكونوا قد وجدوا عند نزول الآية بعد، ولكنها تبرز خصائص وطبيعة الأمة المسلمة على الإطلاق فى جميع الأوطان والأزمان وصورتها الوضيئة فى هذا الوجود.
وتتجلى تلك الآصرة القوية الوثيقة التى تربط أول هذه الأمة بآخرها، وآخرها بأولها، فى تضامن وتكامل وتواد وتعاطف، وشعور بوشيجة القربى، التى تعلو على الزمان والمكان، والجنس والنسب، وتتفرد وحدها فى القلوب، تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة، فتذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة كما يذكر أخاه الحى أو أشد فى إعزاز وكرامة وحب، ويحسب السلف حساب الخلف، ويمضى الخلف على آثار السلف، صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص، وكتيبة واحدة على مدار الزمان، واختلاف الأوطان، تحت راية الله، داعية من كل قلبها لإخوانها أن يوثق الله رابطتها، ويديم ودها، ويهديها سبلها، ويملأها بنور الإيمان الذى لا يخبو. فانظر يا أخى: أفلا تحتاج الإنسانية اليوم إلى مثل هذه الأخوَّة التى أتاها بها محمد بن عبد الله r؟ أليس بهذا هو رحمة للعالمين؟ ألا تحس أن الشعوب لا تهدأ إلا إذا ذاقت حلاوتها؟ والإنسانية لا تستريح إلا إذا رضعت لبانها؟ فيا أخى كم تظلم نفسك بهذا التيه.. فتضيع وتضِّيع.. وتذل وتذل.. وأنت معك الخير.. دواؤك فيك وما تشعر.. ودواؤك منك وما تُبصر، وكم تحجب عن الإنسانية دواء هى فى أمس الحاجة إليه بعدما لهثت وراء المذاهب والنظريات التى زادتها إرهاقًا، وأرقتها نفسًا، وأتعبتها أعصابًا، فتقدم برسالتك برغم الأعاصير والله معك {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ} [الروم: 4-5].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.