عندما تجد مجموعة سياسية ما تدافع عن الحقوق والحريات وتتشدق بالوقوف ضد "ديكتاتورية" النظام الحاكم فى بلدها، ثم تراها فى ذات اللحظة تقف مع نظام آخر قتل أكثر من 70 ألفا من بنى جلدته، فإن الأمر فى هذه الحالة يستحق البحث عن مصدر تلك الازدواجية. وعلى الرغم من دفاع التيار الناصرى واليسارى المصرى عن حقوق الشعوب فى الحياة وثروات البلاد والوقوف ضد الطغاة ومصاصى دماء الشعوب، كانت المفاجأة أن قام وفد مصرى بقيادة أحمد حسن أمين عام الحزب الناصرى، إضافة لمجموعة تضم إبراهيم بدراوى رئيس حركة اليسار المصرى، ود. محمد السيد أمين الشئون السياسية بالحزب الناصرى، والإعلامى إيهاب حسن، بزيارة العاصمة السورية، دمشق، الاثنين الماضى والتقوا عددا من المسئولين السوريين، ل"دعم الرئيس السورى بشار الأسد، فى حربه ضد التطرف!"، بحسب وكالة الأنباء السورية، "سانا". وكانت المفاجأة الثانية ما قاله رئيس الوفد بأن "ما تتعرض له سوريا لا علاقة له بما يسمى الربيع العربى".. متهما "قوى ظلامية" بتمويل المعارضة المسلحة بالمال والسلاح، وأنها ستفشل، وقد فشلت على أرض الواقع من خلال الانتصارات التى يحققها الجيش العربى السورى. بل زاد الوفد باتهام الإخوان المسلمين فى مصر بانتهاكاتهم لعمل المؤسسات الدستورية والثقافية والسياسية، وبأن مشروعهم "يتماهى مع المشروع الصهيونى" فى ضرب واستقرار المنطقة، ويحقق أطماعه فى عزل مصر عن مواقفها القومية ضد الكيان الصهيونى. حل اللغز لعل الكاشف لتلك المفارقة الكبيرة يكون فى التمويل الخارجى لبعض تلك الجهات الناصرية واليسارية؛ وهو ما ظهر فى عدة حوادث، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الأول هو ما كشفه الإعلامى الشهير فيصل القاسم فى ديسمبر الماضى النقاب عن تلقى مرشح ناصرى عربى فى انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة تمويلا من إيران لحملته الانتخابية. وتساءل القاسم فى تدوينه له عبر صفحته على موقع "فيس بوك": "لا أدرى كيف يدّعى أحد كبار المرشحين فى الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة بأنه ناصرى عربى، بينما حصل على تمويل حملته الانتخابية من إيران؟". وأضاف القاسم: "ليس غريبا أن يتحالف بعض القوميين الناصريين مع إيران، فقد سبقهم القوميون البعثيون إلى ذلك وبقوة منقطعة النظير". وكان الناشط السياسى المصرى المقيم فى السويد محمد عثمان قد ذكر حصول المرشح الرئاسى الخاسر حمدين صباحى على تمويل ضخم من إيران لدعم حملته الانتخابية فى أثناء ترشحه فى الانتخابات الرئاسية، مقابل نشر المذهب الشيعى فى مصر السُّنية. وأكد فى مداخلة هاتفية أجراها مع الإعلامى خالد عبد الله فى برنامج "مصر الجديدة" على قناة "الناس" أن صباحى سيتوجه فى زيارة سريعة إلى لبنان قريبا، مضيفا أن مجموعات من مصر توجهت إلى أماكن تدريب فى بيروت، وتدربت على حمل واستخدام أسلحة خطيرة. ويقودنا هذا إلى المثال الثانى لشبهة وقوف التمويل الخارجى وراء المواقف المتخبطة لبعض اليساريين والناصريين؛ حيث قامت جريدة "الكرامة" الناصرية، التى كان يرأس صباحى تحريرها عام 2006 بنشر ملحق خاص فى ذكرى ثورة "الفاتح" تصدّرت الصفحة الأولى للملحق صورة ضخمة للقذافى وعليها عبارة تقول: "37 عاما من الإنجازات للقذافى". الأمثلة التى ضربها إعلاميون ومتخصصون تؤكد أن التمويل يحل لغز وقوف رموز سياسية معارضة للتيار الإسلامى إلى جانب أنظمة ديكتاتورية مثل نظام بشار فى سوريا، والقذافى فى ليبيا.