"ثورة على الثورة.. انتفاضة جديدة وليست تظاهرة".. هذه بعض الشعارات التى كتبتها مجموعات ومؤسسات مجتمع مدنى عبر صفحاتها الرسمية على شبكة الإنترنت للتحرك يوم 15 فبراير الجارى للخروج فى تظاهرات عارمة فى مدينة بنغازى -معقل الثورة الليبية- للمطالبة بما أسموه "تصحيح المسار"، مطالبين السلطات الليبية بالاستماع إلى مطالبهم أو تخليهم عن مناصبهم "رحيلهم" وإفساح المجال لمن يستطيع تنفيذ مطالب الشعب الليبى. تأتى هذه الدعوات قبل يومين من احتفال ليبيا بالذكرى الثانية لثورة 17 فبراير التى أسقطت نظام العقيد القذافى والذى انتهى بمقتل القذافى وبعض أبنائه واعتقال الآخرين، ولهذه الدعوات اتجاهين، حيث يقول البعض إنها سلمية ومطالبها مشروعة، ولابد أن تكون وسائلها أيضا مشروعة، فى حين يرى آخرون أنها تأتى للانقلاب على الشرعية وإحداث أعمال عنف وتخريب متهمين شخصيات سياسية وبعض أتباع القذافى والمطالبين بالفيدرالية بتغذية هذه التظاهرات ومحاولة إخراجها عن سلميتها وإحداث فراغ دستورى فى البلاد. وقال "عصام الجانى" أحد الداعين لمظاهرة 15 فبراير: إن الحراك المرتقب حدوثه فى هذا اليوم هو انتفاضة وليس مجرد تظاهرة لعدة لساعات وتنتهى، مؤكدا أن المظاهرة فى بدايتها ستكون سلمية ثم يتبعها عصيان مدنى وإضرابات، محملا فى الوقت نفسه المؤتمر الوطنى العام –السلطة التشريعية- والحكومة ما قد يئول إليه الوضع فى حال عدم استجابتهم لما أسماه بالمطالب الشرعية- فى خطوة اعتبرها البعض تهديدا للسلطات. رفض العنف وتعليقا على هذه الدعوات وإمكانية تحولها إلى أعمال عنف وتخريب، يرى محللون وعسكريون شاركوا فى ثورة 17 فبراير أن المطالب –حسبما أعلنت- مشروعة لكن وسائلها مرفوضة إذا تجاوزت الطرق السلمية، مؤكدين دفاعهم عن الشرعية بأية طريقة وتصديهم لأى أعمال تخريب. فى البداية، يقول العقيد أحمد المسمارى -خبير عسكرى ليبى وأحد القادة الميدانيين سابقا: "إذا كانت الدعوات احتفالية ذات مطالب مشروعة لتصحيح المسار فهذا شىء جيد ومطلوب، لكن إذا صاحبت هذه المطالب أعمال عنف وتخريب فهذا شىء مرفوض وسنتصدى له بكل قوة- بوصفنا ثوارا حقيقيين وليس حكومة"، مشيرا إلى سهولة اندساس عناصر تخريبية داخل هذه التظاهرات مستغربا الدعوات التى رفعت شعار رحيل المؤتمر العام، وقلل من أهميتها. من جانبه، أشار إدريس لاغا -أحد قادة ائتلاف 17 فبراير- إلى رفض الثوار الحقيقيين لهذه الدعوات وبعض مطالبها، مؤكدا أن المؤتمر سلطة منتخبة لا يجوز الانقلاب عليها أو المطالبة برحيلها كونها أول مؤسسة منتخبة تشهدها البلاد، مطالبا الثوار الحقيقيين بالاحتفال بمرور عامين على الثورة والتأكيد على متطلباتها بالحوار والاتفاق. وقال الناشط السياسى الليبى حسين المسلاتي: "لا أرى وجوب معارضة مظاهرات أو احتجاجات تخرج فى هذا اليوم التاريخى للشرق الليبى ولعاصمة الثورة بنغازى؛ لأن المظاهرات والتعبير عن المطالب حق من حقوق كل أبناء الشعب الليبى الذى انتزعه بفضل ثورته المباركة، ولكن ما ينبغى التحذير منه هو الجنوح بها إلى طريق آخر قد يذهب بنا إلى ما لا يحمد عقباه". وأضاف: "يجب أن نعبر عن مطالبنا بطرق سلمية وحضارية ونوصل صوتنا بكل وضوح إلى المسئولين تعبيرا عن حجم المعاناة والضرر، والحذر من الانزلاق فى فخ الفوضى والعنف الذى قد يستغله أعداء الثورة، وأرى لزاما علينا الابتعاد عن رفع الشعارات التى قد تؤجج الفتن وتعزز المناطقية والجهوية وتؤسس لزرع بذور الانقسام، كما أرى لزاما أن تترك المطالب التى تحتاج إلى نصوص دستورية لحين تشكيل أو انتخاب لجنة صياغة الدستور". أما المرشح السابق لرئاسة وزراء ليبيا عبد الحميد النعمي، فيرى أن أساس المشكلة احتقان الشارع الليبى بسبب تأخر بناء الدولة وعدم تحسن الأوضاع المعيشية، متوقعا أن يتم استغلال هذه الأوضاع من قبل دعاة الفدرالية وأتباع القذافى وأطراف خارجية لإحداث فوضى وعنف بالبلاد. وقال سالم غريبيل –أحد أعضاء كتيبة شهداء الزنتان: "أتوقع أن يكون العدد قليلا لعدم تجاوب الناس مع هذه الدعوات، لكن الإعلام سيضخم المظاهرة بشكل غير مسبوق، حتى تصل إلى أروقة المؤتمر الوطنى".