كشف التدخل الفرنسى فى مالى النقاب عن هشاشة خطط التعاون الغربى وفشل خططه الإستراتيجية فى تقديم الدعم لفرنسا، وأظهرت العملية أن الغرب ليس على قلب رجل واحد كما يشاع، فحتى الآن لم تحصل باريس خلال عمليتها إلا على القليل من الدعم رغم الوعود الكثيرة والبراقة، الأمر الذى جعل فرنسا فى موقف لا تحسد عليه، خاصة أنها لا تستطيع الاستمرار دون دعم غربى، مما يجعلها تغرق فى مستنقع مالى وحيدة. وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن الهجوم العسكرى الفرنسى على إسلاميى مالى يكشف التوترات العميقة فى إستراتيجية الأمن للعالم الغربى وكذبه، موضحة أن فرنسا سعت إلى اجتذاب المساعدة من حلفائها، وكانت النتيجة أنها وجدت الولاياتالمتحدة ودول منظمة حلف شمال الأطلسى "الناتو" إما غير مستعدة للتدخل وإما غير قادرة على تقديم الكثير، حتى إن شحنتين، من أصل ثلاث شحنات من الطائرات التى أرسلتها بريطانيا وكندا لمساعدة فرنسا فى التدخل، تم تحطيمهما وهما فى الطريق. وأضافت الصحيفة أن الخسارة الأكبر التى سببها التدخل الفرنسى فى مالى كانت بين الولاياتالمتحدةوفرنسا، متمثلة فى ردود فعل واشنطن المتباينة التى تراها باريس بأنها رسائل مختلطة ومشوشة عن المستويات الأمريكية من الالتزام بالهجوم على عناصر تنظيم القاعدة فى مالى، قبل وبعد بدء الهجوم الفرنسى. وقال مسئولون فرنسيون معنيون بالتخطيط للحملة على مالى، إنهم كانوا يتوقعون دعما عسكريا أمريكيا سريعا وقويا، بناء على تصريحات لمسئولين فى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" فى سلسلة من الاجتماعات الخاصة، أحدها عُقد بباريس فى أكتوبر الماضى. ووفقا لمسئولين فرنسيين حضروا هذا الاجتماع، فإن الرسائل التى سلمها "مايكل شيهان" رجل العمليات الخاصة فى البنتاجون، كانت واضحة، حينما قال: "أوقفوا الجماعة المعروفة باسم تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وحلفاءها من جعل الصحراء ملاذا آمنا لهم". كما قال مسئولو حلف الأطلسى إن رسائل وزير الدفاع الأمريكى "ليون بانيتا" إلى فرنسا والحلفاء الآخرين، على هامش قمة الناتو التى انعقدت الخريف الماضى، تضمنت أن البنتاجون سيفعل أى شىء لمساعدة أى تدخل فى مالى ضد تنظيم القاعدة. وأشار مسئولون أمريكيون إلى أن مسئولين كبارا فى وزارة الدفاع الأمريكية تنازعوا حول التدخل فى مالى، قائلين: "إن رسائل واشنطنلفرنسا قد تكون ضاعت فى الترجمة" خلال الاجتماعات، وأن كلا من "ليون بانيتا" و"مايكل شيهان" لم يحثا فرنسا على استخدام القوة وأنهما لم يوعدا بتقديم دعم خاص. وعلاوة على ذلك، قال مسئولون فى البنتاجون إن فرنسا لا ينبغى أن تستغرب من رد الفعل الأمريكى بالتقاعس عن مساندة فرنسا عسكريا فى تدخلها بمالى؛ نظرا لطبيعة العملية التى شنتها فرنسا من جانب واحد. وتابع هؤلاء المسئولون: "لم تستشرنا فرنسا، فقد تم إبلاغنا عندما تدخلوا، وهذه ليست عملية مشتركة". وأظهرت الصحيفة الأمريكية، أن التوتر الغربى يعتبر مثالا ساطعا على تزايد قطع العلاقات عبر المحيط الأطلسى؛ فمن جهة، تشكو الولاياتالمتحدة من عدم رغبة حلفائها الأوروبيين فى الإنفاق على الدفاع، مستشهدة بعملية التدخل فى ليبيا عام 2011 عندما افتقر الغرب لإمدادات الذخيرة وطائرات بدون طيار ودبابات كافية واتجهوا نتيجة لذلك لطلب الإمدادات من واشنطن، وفى الوقت نفسه، يشكو بعض الحلفاء من سياسة الولاياتالمتحدة المتبعة فى أفغانستان وباكستان وغيرهما من المناطق بدافع المصالح والأولويات الأمريكية فقط.