شكل إطلاق النار على المتظاهرين العراقيين فى جمعة "لا تراجع" بجانب قيام أحد العراقيين بالانتحار حرقا على طريقة "بوعزيزى تونس" تطورا نوعيا يشير لتغيير كبير فى شكل الاحتجاجات التى تشهدها العراق ضد حكومة رئيس الوزراء "نورى المالكى"، حيث اعتبر تلك الأحداث البداية الحقيقية لثورة بلاد الرافدين ويقربها من تحقيق هدفها بإسقاط المالكى. وقالت صحيفة "ديلى ستار" البريطانية: إن التضحية بالنفس ترددت أصداؤها فى العالم العربى منذ أن أضرم الشاب التونسى بائع الخضروات "محمد بوعزيزى" النار فى نفسه قبل عامين، وكانت وفاته فى يناير 2011 بمثابة الشرارة التى أطلقت ثورات الربيع العربى، فأدت موجة الانتفاضات الغاضبة إلى الإطاحة بقادة دول فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وأضافت الصحيفة أن إطلاق النار على المتظاهرين والانتحار حرقا، يبين مدى إحباط العراقيين الذين لم تتراجع مظاهراتهم رغم تقديم المالكى بعض التنازلات، والسلطات التى أصابها اليأس من إمكانية تراجع حدة المظاهرات ولجأت لأسلوب العنف على أمل أن يكون ذلك سبيلا لإنهائها، لكن المظاهرات تشهد حالة تحول مفاجئ ومثير، خاصة وأن تلك الحوادث سيكون لها دور عظيم فى صمود المتظاهرين أمام مقاومة الحكومة حتى يئول مصير بلدهم إلى نفس مصير البلدان التى نجحت فيها ثورات الربيع العربى. وزادت الأزمة السياسية فى العراق تعقيدا بسبب الانقسام العميق بين الحكومة المركزية ومنطقة كردستان التى تتمتع بحكم شبه مستقل حول السيطرة على حقول نفط وأراض على امتداد حدودهما الداخلية. ويلقى كل من رئيس الوزراء العراقى، ورئيس إقليم كردستان فى العراق، اللوم على الآخر فى الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة، حيث أصدر الاثنان بيانين منافسين يعتبران الأحداث ضمن سلسلة النزاعات التى ساعدت على تقوية المعارضة ضد حكومة وسياسات المالكى، كما أن البيانين حرضا المالكى على العديد من شركائه السابقين للحكومة، بما فى ذلك الحركة السياسية الكردية فى كردستان العراق التى تتهم المالكى بالاستبداد والطائفية. وقال رئيس إقليم كردستان "مسعود البارزانى" فى بيانه: "إن الحكومة الاتحادية تزيد من الأزمة من خلال إهمالها وتهديداتها التى أدت إلى عواقب وخيمة، حيث تمر العراق بأزمة كبيرة منذ فترة طويلة بسبب إهمال الخدمات للمواطنين وعدم تنفيذ الدستور والاتفاقات". ويدعم بارزانى "المطالب المشروعة" للمتظاهرين -فى المناطق ذات الأغلبية السنية فى العراق- الذين يحتشدون منذ أسابيع ضد السلطات التى تقودها الشيعة بدعوى احتجاز مسلمين دون تهم وإساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لاستهداف السنة. وتشدد المسيرات الاحتجاجية على معارضتها للمالكى الذى يعارضه السنة والأكراد وبعض الشيعة من حكومة الوحدة الوطنية، ويشعر السنة باستهداف قوات الأمن لهم بشكل غير عادل وأنهم مهمشون من جانب السلطة. وتزيد الاحتجاجات المستمرة المخاوف من انزلاق العراق إلى الصراع الطائفى مرة أخرى مثل الذى شهدته بعد الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، خاصة أن الأشهر الأخيرة قد شهدت تصاعدا فى وتيرة الهجمات فى جميع أنحاء البلاد.