رغم عشقى للصحافة المطبوعة التى عملت بعدد كبير من صحفها منذ تخرجى من الجامعة أوائل التسعينيات وحتى الآن، إلا أن قرار نقلى من رئاسة قسم الأخبار بجريدة الحرية والعدالة "المطبوعة" للعمل كمدير تحرير للبوابة الإلكترونية، قد أسعدنى كثيرا لاعتبارات عدة؛ أهمها: أن بوابة الحرية والعدالة هى صحيفة إلكترونية لحظية تبث الخبر لحظة حدوثه، وتخترق الحدود المحلية والدولية، فالصحيفة الإلكترونية لن تضيق ذرعا "بتحقيق" بدعوى قلة المساحة، أو تعتذر عن نشر "خبر" حتى لا تتأخر الطباعة، فلوحة التحكم فى الصحيفة الإلكترونية مطيعة لأدمنها، لا تتمرد ولا تشكو من كثرة الأخبار أو الفيديوهات. فالصحافة الإلكترونية -كما يقول الخبير الأمريكى فى الصحافة الاستقصائية سيمور هيرش- هى أشبه بالخيول التى انطلقت من زمامها ولا يمكن توقيفها. والصحافة الإلكترونية هى التطور الطبيعى للصحافة الورقية التى أصبحت مكلفة ماديا؛ بسبب الزيادة المتلاحقة فى أسعار الورق عالميا، فضلا عن أن ثقافة الأجيال الجديدة التى دشنت ثورة 25 من خلال التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت تعتمد على الصحافة الإلكترونية. ولعل تحول مجلة نيوزويك الأمريكية إلى "إلكترونية" بعد 80 عاما قضتها موجودة بقوة فى السوق الإعلامية العالمية، ومحققة شهرة لم تتحقق للكثير من المجلات والصحف الأخرى، يؤكد أن المستقبل للصحافة الإلكترونية. ويوضح تقرير صدر عن مركز بيو للأبحاث مؤخرا تناول تحديات الصحافة الورقية والإلكترونية ومستقبلها، وأن مزيدا من الأمريكيين يتجهون إلى الإنترنت لمعرفة الأخبار، فى مقابل انخفاض قراء الصحف المطبوعة أو الورقية. ويعود صدور أول نسخة إلكترونية فى العالم إلى عام 1993م، حيث أطلقت صحيفة "سان جوزيه ميركورى" الأمريكية نسختها الإلكترونية، تلاها تدشين صحيفتى "ديلى تليجراف" و"التايمز" البريطانيتين لنسختهما الإلكترونية عام 1994م، وعربيا أصدرت أول صحيفة عربية نسختها الإلكترونية منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، وهى صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن، تزامن معها إصدار النسخة الإلكترونية لصحيفة "النهار" اللبنانية، وتعد صحيفة "إيلاف" التى صدرت فى لندن عام 2001م أول صحيفة إلكترونية عربية. وأستطيع رصد أهم الإيجابيات للصحافة الإلكترونية فى السطور التالية: أولا: قلة التكلفة المالية التى يتحملها الجمهور مقارنة بالصحافة التقليدية، فعن طريق الاشتراك فى خدمة الإنترنت تستطيع تصفح كافة الصحف والمجلات. ثانيا: الصحافة الإلكترونية يتم تحديثها بشكل مستمر على مدار الساعة، فى حين أن الصحافة المطبوعة ومواقعها الإلكترونية يتم تحديثها كل أربع وعشرين ساعة، الأمر الذى يجعل الصحافة الإلكترونية تحرق الأخبار كما يقال، أو تجعلها عديمة الفائدة فى الجرائد المطبوعة. ثالثا: سهولة نقل المعلومة وتداولها وحفظها واسترجاعها وسرعة انتشارها فى أسرع وقت ممكن. رابعا: الصحف الإلكترونية تعطى هامشا كبيرا من الحرية فى التعليقات تصل لحد التصادم والسباب "عند البعض"، لزيادة التفاعل والإقبال الجماهيرى عليها. خامسا: إمكانية تضمين الخبر مقاطع صوتية أو لقطات مصورة بالفيديو، مما يجعل التغطية أكثر ثراء وجذبا للقارئ، وتعايشا مع الحدث، وتوفر أرشيفا صحفيا ضخما يتيح الحصول على المعلومات بسهولة ويسر من خلال محركات البحث. سادسا: عدم حاجة المؤسسات الصحفية إلى مقر واحد ثابت يحتوى على كل الكوادر العاملة، فالصحف الإلكترونية اليوم يعمل أغلبها عن طريق المراسلة الإلكترونية. لجميع الأسباب السابقة سعدت بعملى الجديد كمدير تحرير لبوابة الحرية والعدالة على شبكة الإنترنت، وأتمنى أن تكون فى مقدمة الصحف الإلكترونية فى مصر والعالم العربى، وأن تتوفر لها الإمكانات اللازمة لتأخذ مكانتها فى فضاء الإنترنت.