* سموم المدينة الصناعية تغتال أحلام البسطاء فى منطقة بياض العرب * بيوت المواطنين اختفت معالمها وتحولت إلى بحيرات ومستنقعات لمياه الصرف * الأهالى: ما نعانيه ضد مبادئ الإنسانية.. ونعيش حياة المهجرين بعد حرب 67! * "أم محمد" تبكى يوميا وتبتهل إلى الله ألا تغرقها المياه وتصبح بلا مأوى * مدير محطة الكهرباء: أبراج الضغط العالى تتساقط.. وانتظروا كارثة قريبا! * "الحرية والعدالة" يطالب بحل المشكلة قبل تفاقمها * مدير شئون البيئة: استكمال مشروع "الغابة الشجرية" هو الحل لم يكن يخطر على بال البسطاء من ساكنى قرى بياض العرب الصناعية بمحافظة بنى سويف، أن يكونوا هم فقط من يدفعون ضريبة حلم ازدهار الاستثمار فى المحافظة الذى كان يراودهم لعقود، كما لم يخطر ببال المزارعين البسطاء فى قرى الأمل والعلالمة وغيرها أن تتحول منازلهم وحقولهم إلى مصب تنتهى إليه سموم الصرف الصحى القادمة من مصانع المدينة الصناعية الوليدة. "الحرية والعدالة" انتقلت إلى قرى بياض العرب بعد أن تحولت إلى بحيرات ومستنقعات لمياه الصرف الصحى، واختفت معالم البيوت التى يتكون معظمها من طابق واحد فى مشهد يرثى له، ليفتح بابا للحديث عن حقيقة إدارة المحافظة لملف الاستثمار، وإذا ما كانت قد أعدت دراسات مستقبلية لمثل هذه المناطق الصناعية. تلويث مياه النيل بدر سالم -أحد سكان قرية العلالمة – يقول: إن ما نعانيه هو إذلال لكرامة الإنسان وضد مبادئ الإنسانية بكل معانيها، ففى البداية قام المسئولون بإنشاء أحواض محطة "الغابة الشجرية" للمنطقة الصناعية شرق النيل أعلى قرية الأمل، التى يبلغ عدد أحواضها 16 حوضا، تملؤها مياه الصرف الصحى للمصانع بالكامل، وأدى عدم استكمال مشروع الغابة الشجرية إلى زحف المياه بعد أن فاضت وغمرت الأحواض والعنابر إلى أسفل القرية والقرى المجاورة لتغرقها بأكملها، وتحول المنازل والشوارع إلى برك ومستنقعات، وقد اقترح المسئولون بشركة مياه الشرب والصرف الصحى ببنى سويف حلا لتلك المشكلة يبعث على السخرية والاستهزاء بحياة الناس، وهو تحويل مجرى الصرف من المصانع والأحواض إلى مياه النيل، وبالفعل بدأ العمل وتم إسناد أعمال توصيل وحفر وتركيب المواسير إلى أحد المقاولين، ولولا تدخل الأهالى والمسئولين بحماية البيئة والمسطحات المائية لتحول الأمر إلى كارثة كبرى، وتلوثت مياه النيل بمياه الصرف، وقامت شرطة المسطحات المائية بتحرير محضر إثبات حالة بتاريخ 8-12-2012 رقم 2665 جنح مركز بنى سويف. حياة المهجرين يؤكد أحمد عبد العليم -فلاح مقيم بقرية الأمل- أن منسوب مياه الصرف بالقرية قد وصل إلى 3م، واضطر إلى الانتقال بزوجته وأولاده الثلاثة، ليقاسم أخاه فى بيته الموجود على أطراف القرية، وعلى الرغم من صبره هو وأولاده خلال الفترة الماضية على الروائح الكريهة والحشرات الخطيرة وتصدع الجدران، إلا أن المنزل الآن قد غُطى تماما بمياه الصرف الصحى. وتضيف زوجته: بعد أن حاصرتنا المياه من الداخل والخارج، حاولنا الاستمرار فى المنزل، ووضعنا ألواحا من الخشب للسير عليها، ووضع كميات كبيرة من الأتربة والرمل بجانب الحوائط، وكل ذلك بلا جدوى، وأصبحنا الآن نعيش كالمهجرين بعد حرب 67 بعيدا عن بيوتنا.. فأين المحافظ الذى يمر علينا كل يوم ليطمأن ليس علينا ولكن على الأثرياء أصحاب المصانع، ولا يلفت انتباهه البيوت الغارقة والعائلات المشردة من جراء صرف تلك المصانع؟ فمَن يعوضنا عن تلك الخسائر وما نعانيه؟! فحسبنا الله ونعم الوكيل. المصير نفسه وقفت الحاجة "أم محمد" أمام بيتها تنظر إلى بيت جيرانها بعد أن غرق فى بحور الصرف وهى تبكى وتدعو الله ألا ترتفع المياه أكثر من ذلك، وتتمنى ألا تنال مصير الآخرين نفسه، وتلحق بجاراتها، وتصبح مهجرة بلا مأوى على أطراف القرية. تحولت السيدة المسنة إلى وحش كاسر، وحاولت التعدى علينا بعد أن اعتقدت أن مراسل "الحرية والعدالة" هو أحد المسئولين، ولم تهدأ إلا بعد أن أخبرها الأهالى أن الغريب هو صحفى جاء يحاول المساعدة، راجيا توصيل شكواهم إلى المسئولين فى أبراجهم العالية. قالت أم محمد -والدموع تملأ عينيها-: رضينا بالحياة فى ظل هذه الظروف الصعبة، فالمياه منذ أعوام يزيد منسوبها قليلا طوال الأعوام الماضية، ونحاول أن نقضى شهور الشتاء وسط الروائح الكريهة والحشرات الخطيرة التى تملأ المكان، ولكن اختلف الحال مع قدوم الشتاء الحالى وبدأت المياه تنحدر بغزارة حتى أغرقت البيوت ودمرت الأراضى. محمد صالح -صاحب 20 فدانا، مجاورة لقرية الأمل- يقول: إن الأرض التى يملكها كانت من أخصب الأراضى فى المنطقة، ومنذ شهور ومياه الصرف تتربص بتلك الأراضى حتى جاء فصل الشتاء هذا العام، وازداد منسوب المياه حتى غطى الأرض ودمر أشجار الفاكهة التى تقدر أعمارها بعشرات السنين، ولما ذهبنا لنبحث عن حل للمشكلة أجابنا رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى ب"خلّى مرسى ينفعكم!!". مدير محطة الكهرباء: "انتظروا كارثة قريبا"!! التقينا المهندس ماجد محمد -مدير محطة محولات كهرباء شرق النيل- الذى أعلن عن خطورة الوضع بعد غرق أبراج وأعمدة الضغط الحالى بمياه الصرف، وبعد أن أصبحت المياه على مشارف محطة الكهرباء، مؤكدا أنه فى حالة سقوط أحد الأبراج بعد تآكل المواد الخرسانية ستتحول المنطقة إلى دمار ليس له حدود، فالأبراج داخل المياه عبارة عن قنبلة موقوتة، وبالفعل فإن هناك عمليات ترميم مستمرة للكتلة الخرسانية القائم عليها الأبراج لتصمد قليلا أمام عمليات التآكل التى لا تتوقف. يقول حسام سلومة -أحد سائقى سيارات الأجرة عن معاناة السائقين مع مشكلة مياه الصرف-: بالإضافة إلى سوء طريق بنى سويف– الكريمات، وكثرة الحفر والمطبات، فإن مياه الصرف قد احتلت أحد جانبى الطريق، وأغلقته بالكامل وفى طريقها لغلق الجانب الآخر، ومن لا يعرف الطريق يدخل بسيارته لبركة المياه، ويجد نفسه غارقا فى بحيرة "البصل" -كما يطلق عليها الأهالى- بسبب قدوم مياهها من الصرف الخاص بمصنع البصل.. وتساءل: متى يتحرك المسئولون؟ فالمشكلة ستتطور لغلق الطريق الشرقى الواصل بين بنى سويف والقاهرة. الأستاذ خالد محمود -مدير مدرسة بقرية الشيخ على التابعة لمنطقة بياض العرب، أمين الوحدة الحزبية لحزب الحرية والعدالة ببياض العرب- أعلن أن كوادر الحزب بالمنطقة يبذلون جهدا خرافيا لأجل مساعدة مَن غرقت منازلهم وأراضيهم، ويحاولون أن يمتصوا غضب هؤلاء المشردين. وأوضح أن أغلب سكان تلك المنطقة من قبائل العرب وهددوا أكثر من مرة بقطع الكهرباء والمياه المغذية للمنطقة الصناعية بالكامل، ونظموا وقفات احتجاجية أكثر من مرة أمام مبنى ديوان عام محافظة بنى سويف، ولكن دون جدوى، وبعد أن وصلت المشكلة إلى ذروتها لا نستطيع نحن وعقلاء المنطقة التحكم فى تحركات غير مسئولة من قِبل الأهالى بعد أن أغرقت المياه ليس فقط بيوتهم وأراضيهم، ولكن أنهت على أحلامهم وأمانيهم! المهندس أسامة إسماعيل -مدير الإدارة العامة لشئون البيئة ببنى سويف- يؤكد أن الحل الوحيد والعاجل لتلك المشكلة هو استكمال مشروع الغابة الشجرية، الذى يستوعب تلك المياه، وكان يتعين على المسئولين فى ظل النظام السابق إنشاء الغابة الشجرية بالتوازى مع إنشاء المنطقة الصناعية؛ حتى لا يصل منسوب المياه إلى هذا الحد الخطير. من ناحية أخرى، أشار الأستاذ سيد فهمى -رئيس المنطقة الصناعية- إلى أن بخر المياه فى الصيف يقلل من ظهور المشكلة، وتوقف ذلك البخر فى فصل الشتاء يجعل المياه تزداد وتتسرب من خلال شقوق جبلية لتنهى مسارها عند المنطقة المنخفضة التى تضم تلك القرى. واقترح فهمى حلا سريعا وعاجلا، وهو توصيل مواسير صرف تصب عند مخر السيل فى أعلى الجبل لتجنب غرق المزيد من القرى. وبسؤال العميد محمود طه -رئيس قطاع التشغيل بشركة مياه الشرب والصرف الصحى ببنى سويف، المسئول عن صيانة وتشغيل الصرف الصحى بتلك المنطقة- أكد أن الشركة تقوم بأعمال التشغيل والصيانة لتوصيلات المياه والصرف الصحى للمرافق المملوكة للدولة، وما تقوم به الشركة الآن هو أعمال صيانة وترميم للمحطة "محطة بحيرات الغابة الشجرية"، وكان من المفترض توفير اعتمادات مالية لزراعة الغابة الشجرية ببياض العرب؛ لتمتص تلك المياه، ولكن لم يتم توفير تلك الاعتمادات المالية طوال الفترات السابقة. وفى السياق نفسه، أشار الحاج عبد الرحمن شكرى -نقيب فلاحى مصر، القيادى بحزب الحرية والعدالة ببنى سويف- أن هناك حلولا غير تقليدية تم عرضها على السيد المحافظ والوزراء المعنيين، تتمثل فى محطة معالجة ثلاثية تقوم بتحلية المياه، لتكون صالحة للشرب، ثم يتم صرفها لمياه النيل بعد أن تكون آمنة تماما على الصحة. من جانبه، صرح المستشار ماهر بيبرس -محافظ بنى سويف- أن المحافظة تحتاج إلى صرف اعتمادات مالية تقدر بحوالى 30 مليون جنيه؛ لاستكمال مشروع الغابة الشجرية، وبناء المحطات الثلاثية المقترحة، وتم تبليغ هيئة التنمية الصناعية والوزارات المعنية بالمشكلة، وفى انتظار رد الجهات المذكورة.