على الرغم من عراقة تاريخها، الممتد عبر سنوات الزمن القديم، واحتلالها موقع الصدارة بين دول العالم كثانى أقدم دولة فى العالم بعد إنجلترا فى امتلاكها شبكة سكك حديدية، إلا أن قطارات السكة الحديد المصرية، لم تتمكن من الحفاظ على صدارة موقعها بين دول العالم فى إمداد شبكتها الحديدية بما يتيح لها أن تعاود تصنيفها العالمى. فقد تباينت الفروقات بين قطارات السكة الحديد، فهناك قطارات الدرجة الثانية وقد انعدم تجديد أى من عرباتها، بداية من الشبابيك الخالية من الزجاج، وأبواب العربات معدومة المقابض، وفى المنتصف منهم كراس منتهية الصلاحية، وفى نهاية العربات دورات مياه غير صالحة للاستخدام الآدمى، بينما تهدد حياة الركاب عند عبورهم الكبائن الواصلة بين عربات القطار عندما يتحسسون خطاهم تفاديا لفتحات مباشرة لخارج القطار تقع على جانبى الكبينة. تلك الحالة المتردية لقطارات يستخدمها أكثر من 900 ألف راكب يوميا من الناس ليست هى حال القطارات المكيفة الأعلى تكلفة، فعلى الرغم من تخلف قطاع السكك الحديدية المصرية عن اللحاق بركب التقدم والتطور الذى تحقق فى كثير من بلدان العالم، إلا أن القطارات المكيفة "الفرنساوى والإسبانى بدرجتيه الأولى والثانية، وقطار النوم المخصص لرحلات الوجه القبلى" اختلفت فى صورتها ومضمونها كليا عن تلك "الكهن السيارة" قطارات الدرجة الثانية المميزة وقطارات المراكز الداخلية. أحمد مسعد مندور -طالب بالفرقة الرابعة فى كلية التجارة- يقول: تبدأ رحلتى المعتادة يوميا عندما أستقل القطار المميز الذى ينطلق فى الخامسة وعشر دقائق لأغادر معها محطة سكة حديد بنى سويف فى طريقى لجامعة القاهرة، وهنا تبدأ المعاناة، فطول مدة الرحلة الممتدة لأكثر من ساعة ونصف فى عربة ليس بها زجاج فى الشبابيك نتيجة إلقاء بعض الصبية للحجارة على القطار فى أثناء مروره، وهو ما ينتج عنه إصابة جميع الركاب من غير المعتادين على ركوب قطار بتلك الحالة، بزكام حاد تبدأ أعراضه فور ملامسة أقدامهم أرض المحطة التالية. ويكمل أحمد حديثه قائلا: اخترت منذ أكثر من ثلاث سنوات أن أنتسب لجامعة القاهرة كونها أعرق الجامعات المصرية غير أن للسفر معى حسابات أضفت على حياتى فصلا خاصا تحت عنوان "أنا وجامعتى والقطار".. فقد عانيت وما زلت أعانى ذهابا وإيابا للجامعة، من ركوب تلك العربات المتهالكة مقاعدها التى يعتقد من يراها وهى ساكنة أنها عربات أثرية خرجت من الخدمة منذ عشرات السنين. ويستنكر مندور، على مسئولى خطوط السكك الحديدية عدم إدخال تجديدات حقيقية على المقطورات المتهالكة بفعل الزمن عليها لتتماشى مع أبسط أشكال التكنولوجيا، خاصة أن هناك رحلات تستغرق فى طريقها للجنوب أكثر من 20 ساعة متواصلة. محمد جمال صالح -أمين شرطة- تضطره ظروف عمله إلى السفر أكثر من خمس مرات شهريا من قريته فى محافظة "المنيا" إلى مقر عمله فى وزارة الداخلية بالقاهرة، وهو ما جعله يعتاد السفر نهاية كل أسبوع ليكون القطار جزءا أساسيا من حياته. ويقول عن رحلته الأسبوعية: "أنهى عملى عصر كل خميس لأعاود أدراجى لبيتى وأهلى فى المنيا غير أن رحلتى عبر قطار الغلابة تجعل من يومى الأول للراحة التامة بعد أن أقف أكثر من ثلاث ساعات متواصلة بداية من محطة "رمسيس" وحتى وصولى إلى محطة المنيا لشدة زحام القطار الذى يستقله آلاف العائدين من إجازاتهم نهاية كل أسبوع. ويقول جمال: إن خطوط السكة الحديدية المصرية التى يستقلها البسطاء من الناس لم تعد صالحة للاستخدام الآدمى، حيث تظل الأبواب مفتوحة طوال الرحلة لضيق المساحات داخل العربات وحدوث اختناقات لبعض كبار السن، وهو الأمر الذى يصيب البعض الآخر ممن يصادف وقوفهم بجوار الباب بنوبات برد واحتمالية السقوط طوال مدة الرحلة. ويضيف: أنه يقرر عقب كل رحلة أنه لن يعاود ركوب القطار المميز مرة أخرى، إلا أن ظروفه المادية تمنعه من ركوب القطار الأعلى تكلفة أو استقلال عربات بعيدا عن القطارات. بينما يروى مصطفى محمود حكايته مع قطار البسطاء، يقول: "ظروفى المادية تمكننى من ركوب أى قطار من تلك الأنواع الأكثر رفاهية، غير أن وقوع قريتى بجوار مركز الواسطة فى محافظة بنى سويف الذى لا تقف فيه أى من القطارات المباشرة الأخرى بخلاف القطار المميز الذى تمكننى سرعته البطيئة قبل دخوله المركز من القفز منه والوصول لبيتى بعد أقل من خمس دقائق. ظروف مشابهة لظروف مصطفى يرويها الرجل السوهاجى المسن الذى يحكى عن رحلته التى لا تأتى بمواعيد مسبقة، حيث يسافر ليرى أولاده وزوجته فى العام أقل من خمس مرات، ليطمئن عليهم، حيث تمنعه ظروف عمله كتاجر للأقمشة من ترك محلاته، ومن ثم فهو يذهب لمحطة دون حجز مسبق عندما يريد أن يرى أولاده. ويقول: "لا أرى فارقا واضحا بين القطارات، فكلها توصل الناس لبيوتهم.. المهم هو الوصول بسلامة بعيدا عن الخطوط البرية تلك التى تستخدمها سيارات الموت، "كما سماها"، ويؤكد أن طرق الصعيد البرية تفتقد إلى أدنى شروط السلامة، وهو ما يجعل غالبية أهل الصعيد يعزفون عنها ويلجئون لركوب القطارات، بغض النظر عن نوعها هروبا من جحيم الطرق السريعة.