"خزائن الأرض ومنبع خيرات مصر".. هكذا يمكن أن يكون الصعيد لو أحسن استثمار ثرواته، التى اهتمت بها عشرات الأبحاث والدراسات القيمة التى أجراها العلماء والباحثون فى تلك المنطقة، وتظل تلك الكنوز تنتظر معول الإرادة السياسية ليضرب الأرض ويستخرجها فتعود الصعيد لتسر الناظرين. "الحرية والعدالة" تنقل لك عزيزى القارئ -خلال هذا التحقيق- خلاصة حوار مطول مع مجموعة من أساتذة كلية العلوم بجامعة جنوب الوادى بقنا، الذين قاموا بعمل العديد من الأبحاث حول محافظات جنوب الصعيد ومواردها. البداية كانت مع د. عبد الهادى محمد إبراهيم -أستاذ الجيولوجيا وعميد كلية العلوم بجامعة جنوب الوادى- الذى تحدث عن امتلاء الصعيد بالإمكانات البشرية الهائلة والصبورة والقادرة على العمل بحرفية، بجانب توافر الخامات والمعادن، خاصة بمنطقة سلاسل جبال البحر الأحمر ومعظم محافظات الصعيد، بالإضافة إلى الأراضى القابلة للاستصلاح والزراعة ومصادر المياه بالصعيد المتعددة، سواء الجوفية أو السطحية. ويضيف عبد الهادى أن المواد الخام متوافرة بكثرة فى المناطق الصحراوية بجنوب مصر، مثل الحديد والذهب والرمل الأبيض والجرانيت، وجميع ما تتطلبه أعمال التعمير والإنشاء والزينة. ويؤكد أستاذ الجيولوجيا أن الثروات المعدنية الهائلة الموجودة بسلاسل جبال البحر الأحمر قد انتبه لها نظام المخلوع، لكنه بدلا من أن يستثمرها لصالح تنمية الصعيد ورفع مستوى معيشة أبنائه، منح ثلة من رجاله المقربين حق الانتفاع بالمناجم والمحاجر، مبينا أن غالبية تلك المحاجر تعمل دون ترخيص بالتواطؤ مع الجهات التنفيذية بالمحافظات المختلفة ويحرم منها أبناء البلد. وتابع أنه رغم توافر مصانع السكر والألمونيوم والأسمنت والسيليكون بالصعيد، إلا أن معظم القيادات العليا فى تلك المصانع من أبناء الوجه البحرى، مما يقلل من فرص أبناء الإقليم فى الانتفاع بثرواتهم. وأشار عبد الهادى إلى أن الفكر القديم لا يزال مسيطرا على عقول بعض مسئولى الصعيد حتى الآن، مضيفا أن هناك فجوة بين الصناعة والمجال التعليمى المتمثل فى الجامعات والمراكز البحثية، لدرجة أن بعضا من طلاب جامعة جنوب الوادى يذهبون للوجه البحرى للتدريب، لأن المصانع الموجودة بالوجه القبلى وبالصعيد ترفض التعاون وتدريب الطلاب خشية منهم اكتشافهم عيوبا بيئية فى عمليات التصنيع أو التكاليف المالية. وأضاف عبد الهادى أن هناك العديد من البحوث والدراسات الموجودة بجامعات الصعيد، التى إن تم تطبيقها فتكفى لإحداث نقلة نوعية لتنمية جنوب الصعيد فى شتى الميادين. ويضرب أستاذ الجيولوجيا مثالا على غياب التنسيق بين المسئولين والعلماء والباحثين، حيث يكشف أن أغلب محطات الصرف الصحى بالصعيد أقيمت دون استشارة أقسام الجيولوجيا بالجامعات الصعيدية، وقد أثبتت الأبحاث التى أجريت فى هذا الشأن أن أماكن محطات الصرف الحالية غير صالحة، وأبرزها منطقة الصالحية بقنا. ويكشف عبد الهادى أن هناك العديد من الوديان والمساحات الشاسعة بالصعيد التى لا ينقصها سوى استخراج المياه للتحول إلى جنة خضراء تحدث اكتفاء ذاتيا لمصر من المواد الغذائية وتتربى عليها ثروة حيوانية، أبرزها مساحات شاسعة على طريق قفط القصير-مرسى علم، وقنا-مرسى علم، لكن الذى يعوق تفعيل استصلاح تلك المناطق قلة من الشعب ذات عصبة معينة تابعة للنظام السابق، لكن من الأفضل إعادة توزيعها على شباب الخريجين. ويضيف أن الصعيد يتمتع بمقومات سياحية كبيرة قد تحدث نقلة نوعية فى ميزان السياحة المصرى بالكامل إن تم تسويقها بالطريقة المناسبة، مثل سياحة السفارى فى الصحراء، فهناك مجموعة من الوديان التى لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، مثل وادى النخيل ووادى العلاقى وكثير من الوديان التى إن تم الاهتمام بها سيتم تنشيط السياحة وزيادة الدخل القومى. وانتقل عبد الهادى إلى بحيرة ناصر، حيث يشدد على أهمية إعادة هيكلتها بعدما لم يتم الاستفادة منها لعقود، على الرغم من أنها بحيرة مليئة بالخيرات، مطالبا بإعادة النظر فى مشروع توشكى وتقييمه مرة أخرى بواسطة لجنة يتم تشكيلها من الرئيس مرسى مباشرة، وتكون مكونة من علماء وباحثين ورجال اقتصاد. وناشد عبد الهادى رئيس الجمهورية إعادة النظر فى المناطق الصناعية المقامة فى الصعيد، وأن يصدر قرارا بتمليك الأراضى فقط للمصانع المقامة بالفعل، فهناك العديد من المدن الصناعية فقط على الورق. من جانبه، استنكر الدكتور رأفت العطار -مدير وحدة الجودة بكلية العلوم بقنا- ما أطلق عليه تعامل بعض المسئولين مع مطالب العلماء وأبحاثهم بمنطق "سمعنا وعصينا"، مطالبا الرئيس بإعادة هيكلة جميع القطاعات الحكومية وتطهيرها. وقال: رغم وجود مكاتب استشارات بالجامعة تستطيع أن تقدم خدماتها فى كافات المجالات إلا أنه لا يتم الاستعانة بها، مثل مكتب الاستشارات الجيولوجية بجامعة جنوب الوادى الذى يقدم معلومات مستمرة ومتجددة عن منسوب المياه الجوفية والأراضى الصحراوية، وأماكن وجود الخامات والثروات المعدنية والأعمال المساحية.