تابعت بألم شديد ما أصاب خطابَ بعض الدعاة من هبوطٍ وإسفافٍ فى استخدام بعض الألفاظ والتعبيرات غير المناسبة؛ تأثُّراً باستفزاز بعض الفئات من الكُتَّاب والإعلاميين الذين تجاوز بعضُهم الحدودَ فى الإساءة للمشروع الإسلامى وللإسلاميين، ولهذا رأيتُ أن أعيد نشر هذه المقامة التى كتبتُها من قبل؛ آملاً أن يراجع كلُّ أخٍ داعيةٍ مواقفَه ويدقِّقَ عباراتِه بما يناسب لغةَ الدعاةِ الذين أمرهم الله أن يقولوا التى هى أحسن. الحمدُ لله الذى أكرم خواصَّ عبادِه بالأُلْفةِ فى الدين.. ووفَّقهم لأكرمِ عباده المخلصين.. ورزقهم الشفقةَ على المؤمنين. وصلى اللهُ وسلَّم وبارَك على نبيِّه سيدِنا محمدٍ المصطفى.. وعلى آلِه وأصحابِه وأزواجه الأتقياءِ الشُّرَفَا.. ومَنْ بهم اقتدى ولآثارهم اقتفى. وبعدُ أيها الأخوة الكرماء.. فقد جاءنى صديقى النبيهُ ذاتَ مساء.. وأنا جالسٌ أتجاذبُ أطرافَ الحديثِ مع أحدِ الزملاء.. فلما دخل أقبل إلى بعيونه.. وسلم على مِنْ دونه.. فقلتُ: سلِّم على زميلِنا ضرغام.. قال: ليس بينى وبينه سلام.. ذاك شخصٌ متلوِّنٌ بوجهين.. يتكلم مع الناس بلسانين.. وقد قال سيد الثقلين.. شرُّ الناس ذو الوجهين.. إذا غبتَ عابك عند الإخوان.. وإذا رآك استقبلك بالأحضان.. ثم هو يتتبع عثراتِ الإخوان.. ولا يلتمس عذراً لإنسان.. وقد أقسمتُ يميناً لا أتكلم إليه.. ولا ألقى السلام إنْ قابلتُه عليه.. حتى يُصلِحَ مِنْ حاله.. ويُراجعَ كلَّ أفعالِه.. أَنَسِيتَ ما أحدث منذ أيامٍ بفِعْلَتِه الشنيعة.. حين حاول الدسَّ والفتنةَ والوقيعة.. بين أخويْنا عبدِ الله وعبدِ الرحمن.. لولا سترُ الكريم المنَّان؟.. ثم التفت صديقى النبيهُ إليه.. وقال: وبعد هذا تريدُنى أنْ أسلِّمَ عليه.. هذا والله لن يكون.. ومِنْ دونِه حصولُ المَنُون. وعندئذٍ هبَّ زميلُنا ضرغام.. الذى أصابه الذهولُ من هذا الكلام.. وقال: بل أنت المنافقُ الكذوب.. والصديقُ المراوغُ المتلوِّنُ اللَّعوب.. ولقد صدقتِ العربُ وما ضلَّت.. حين قالت: رَمَتْنِى بدائِها وانسلَّت.. كم فيك من خُلُقٍ ردىء.. وكم تُحرجُ الإخوانَ وكم تُسىء.. حتى ملَّك الأصدقاءُ وكرهوك.. بعد أن عرفوا عيوبَك وكشفوك.. وكاد الاثنان أن يتشابكا.. وقاما وهمَّا أن يتعاركا.. لولا أنَّ اللطيفَ الغفور.. أعاننى على تهدئة الأمور.. وأقسم يميناً بالله ضرغام.. ألا يبقى فى المجلس بعد هذا الكلام. وخَلَا مجلسى بصديقى النبيه.. فقلتُ: ما كنتُ أظن أن يصدرَ منك هذا الفعلُ السفيه.. فهَبْكَ لا ترضاه.. ولا تحتمل أن تلقاه.. ألاَ قدَّرْتَ مودَّتى.. وراعيْتَ يا صديقى حُرْمتى.. قال: أنا امرؤٌ أحبُّ الحقَّ حيث كان.. أواجهُ مَنْ أَلْقى بعيبِه أيّاً كان.. أقول للأعور: يا أعور.. ولا أهتم إن يغضبْ أو يَزْوَرّ.. والحقَّ أقول يا شيخى الحبيب.. أنا فى عجبٍ من أمرِك وفعلِك عجيب.. كيف تجالس هذا الشخص الماكر الجاهل؟.. وأنت نفسَك بالأمسِ رَوَيْتَ لى قولَ النبى الكامل:.. الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ.. وأسمعْتَنى القولَ الحسن.. للإمام على أبى الحسن:.. لا تصحَبْ أخا الجهل إيَّاَك وإياه.. فكم من جاهلٍ أَرْدَى حليماً حين آخاه.. يُقاس المرءُ بالمرءِ إذا ما المرءُ ماشاه.. وللشىءِ من الشىء مقاييسُ وأشباه.. وللقلبِ من القلب دليلٌ حين يلقاه. أو لستَ أنت من أيامٍ قلائل.. أسمعتنى وصيةَ عالمٍ من الأوائل.. قال لابنه وهو يدلُّه على سبيل الكمال:.. يا بنى إنْ عَرَضَتْ لك حاجةٌ إلى صحبةِ الرجال.. فانظرْ مَنْ إذا حدَّثْتَه صانك.. وإنْ صحِبْتَه زانك.. وإن رأى منك حسنةً عدَّها.. وإن رأى منك سيئةً سدَّها.. وإن سألتَ أعطاك.. وإن سكتَّ ابتداك.. أليس عجيباً يا شيخَنا بعد كل هذا الحديث.. أن أراك تجالس هذا الشخص الخبيث!