دأب اللوبى الصهيونى على إشعال الإعلام المساند لقضاياه والعمل على تزامنه مع الأحداث السياسية الساخنة والمحورية لتحقيق كسب الرأى العام محليا ودوليا، وحتى يتضح الأمر لا بد أن نوقن بداية أنه لم يرض أتباع النظام السابق بالثورة والتغيير لأسباب جلية، وجميع الأحداث الكارثية التى نتج عنها قتل وتدمير منذ اللحظة الأولى للثورة تشهد على أن برنامج العرقلة والتدمير لن يهدأ. وقد نجح مفتعلو الأزمة الأخيرة فى خداع البسطاء باستخدام مصطلحات مستعارة من الغرب العلمانى لتسويق برنامجهم تحت مسرحية الديمقراطية مثل "المعارضة" و"الأحزاب السياسية"، والقضية لا دخل لها لا بالديمقراطية ولا بالأحزاب؛ لأن الدول الديمقراطية تمنع بحزم الفوضى والتطاول على من تحصن بإرادة الشعب الانتخابية. لكن السبب هو أن الخارطة السياسية للشرق الأوسط تتغير وتتغير معها حسابات الكيان الصهيونى ودعاماته الأمريكية، لكن النظام السابق وأدواته من أجهزة استخبارية أو شرطية عميلة أو بلطجية ممن قبض عليهم وسرحوا وسياسيين عملاء يخضعون للقوى الخارجية المتحكمة فيه. ولا أظن أنه خفى على العامة والخاصة أن جهاز الموساد كان يشكل قوة لا يستهان بها فى حراسة نظام المخلوع، فما الذى فعلناه بهؤلاء فى مسيرة التطهير؟! إن أعداء الثورة والتغيير الشامل للدولة المصرية لن تترك ممثل الشعب المنتخب يستكمل مسيرة النهضة ببناء واستقرار مؤسسات الدولة، وهذا أمر من قوى الخارج ومسانديه ممن ما زالوا يتغلغلون فى نسيج الوطن. إن "افتعال الأزمة" الأخيرة وتقسيم أدوار المعارضين ممن اشتراهم المال، وممن دعموا بسلاح مكلف لا تملكه إلا أجهزة أمنية ثم إحداث الهمجية المنظمة بالهجوم على رمز الدولة وهيبتها ثم القتل لمن يدافع عن الشرعية ممن استفزهم الهجوم على قصر الرئاسة لتجريف الإرادة الشعبية ورمزها ثم مساندة كل ذلك بتجييش أجهزة إعلام متزامنة معه تقف لتلقى الأوامر لتأييد برنامج التدمير بكل وسائل الكذب والافتراء وتزييف للحقائق.. هو شىء لا يستغرب إذا علمنا أن المخطط مجهز مسبقا وكان رهن التنفيذ فى اللحظة الحاسمة لإتمام الانقلاب على الشرعية عند قطف أول ثمار الاستقرار بإعلان دستور الدولة. كان حل البرلمان رغبة فى حصار الجهاز الرئاسى وتقزيم دوره، وكان خط الدفاع هو الإعلان الدستورى والتأسيسية لتجنب الوقوع فى ذلك الفخ، فثار الأعداء وظن الجميع أن المعارضين يمارسون حقهم السياسى وهم فى الحقيقة ينفذون برنامج "لى الذراع" للوصول إلى الهدف المبرمج مسبقا، وهو إجهاض الثورة التى تغير مكانة مصر بين الدول وتدفع باقتصادها وتعوضها عن النهب والنصب والفساد الكائن على جميع الأصعدة، والأهم من ذلك أنه إذا استكمل الرئيس المنتخب بإرادة شعبية وانتخابات نزيهة برنامجه النهضوى، كشفت تفاصيل المؤامرة وفضحت الجرائم المستترة ومارس القضاء الحقيقى دوره فى معاقبة الجناة وسقطت الأقنعة المزيفة لمن يدعون حبهم للوطن، وهذا يفسر رعب المعارضين والإصرار على تحديهم للرئاسة والتطاول عليها. إن القوى المعادية تستوجب اتخاذ جميع الاحتياطات والحذر من الخيانات، ولا بد لرئاسة الدولة أن تستعين بجهاز تعينه لحمايتها ممن هم أهل ثقة وحرص على مصلحة البلاد أمنيا واستخباراتيا بعد فرز دقيق لهويات المساعدين، إن خراب الذمم ورخاوة الضمائر وفتنة النفوس الضعيفة وضبابية الرؤى هى أخطر ما يهدد استكمال المسيرة. وصدق الله تعالى إذ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]، وندعو الله تعالى لرئيسنا بالثبات والحذر؛ فالحرب لم تنته بعد. ----------------- د. رشا الدسوقى أستاذ الفقه بجامعة الأزهر