لقد تفنَّن بعض الكُتَّاب فى الكيد للإسلام، وأشاعوا –وما زالوا- أن الإسلام إذا حكم سينشر الخوف والرعب، وسيقطع الأيادى، وسيجلد الظهور، وسيمنع المرأة من العمل، بل من الخروج من بيتها، وسيطارد الحضارات، وسيغلق البنوك، وينشر الرعب والفزع... كل هذا وغيره نراه افتراء وإفكا وكذبا وتضليلا وحربا على الإسلام وكيدا للمسلمين، والحمد لله فقد اتضح هذا الكذب وظهر هذا الافتراء عمليًّا أنه دجل وحرب، والإسلام برىء من كل ذلك. وها هو رئيس الدولة يسكن فى شقة هو وأولاده ويذهب إلى المسجد يصلى بين إخوانه وأحبابه لا تكبّر بل تواضع، وها هو يؤمّ المسلمين فى المسجد وبعد الصلاة يذكِّرهم أحيانا بحق الله عليهم، وها هو يؤاخى الضباط والجنود فى كل المناسبات، فلا تعالى أبدا ولا تكبّر، وكيف يتعالى من آمن بالله حقًّا وتربّى على مائدة القرآن الكريم، وقرأ قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًا فِى الأَرْضِ ولا فَسَادًا والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]. لقد سعى من أول يوم بإنصاف المظلوم وإيقاف الظالم عند حدِّه وردِّ المعتدى أيًّا كان، والبحث عن كل من يريد أن يفسد فى الأرض أو يعتدى على الآخرين، وواصل هو ومن معه الليل بالنهار لم يقابلوا الإساءة بالإساءة، بل قابلوا السيئة بالحسنة والكذب بالصدق، وردوا الذين يحاولون أن يواصلوا فى التخريب وإشاعة الفوضى، ورءوس الفساد الذين يحرصون على التدمير والتخريب، ويعمل على إيقافهم عند حدِّهم وردِّ بغيهم واستهتارهم. هذا هو الإسلام: الذى (صَوّرتُموهُ) ببغيكم بغير صورته الحقيقية. إنه دين السلام وعنصر السلام فيه ممتد وكأنه شجرة وارفة الظلال قطوفها دانية وثمارها لجميع الأمة التى تعيش تحت ظلها، وما سمعنا فى التاريخ القريب والبعيد للإسلام أن مسلما ظلم آخر أو اعتدى عليه أو آذاه أو أخذ ماله أو استعمل القوة فى العدوان على أحد، ولكننا شَهِدنا دولا بكاملها اعتدت بغير حق على المسلمين وظلمت وآذت وقتلت المئات بل الآلاف من المسلمين، وما يحدث فى سوريا الآن من عدوان بربرى ومن تطاول تجاوز كل الحدود، وأصبح القتل وسفك دماء الأبرياء وقتل الأطفال والأمهات صورة تهزُّ قلوب المؤمنين حين يرون إخوانهم -بل أحبابهم- يُفعل بهم هذا، وأقرِّر هنا أن الدماء الزكيّة التى أريقت وتراق فى سوريا الحبيبة وفلسطين الغالية، وفى تونس وفى ليبيا وفى مصر الشامخة الأبية وفى اليمن وفى كل ركن على ظهر الأرض سينتقم الحق تبارك وتعالى لها إما عاجلا أو آجلا، وصدق الله العظيم {وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَى مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. إنها الفواجع تؤلم القلب وتُسيل الدمع، وتجعل المسلمين يحتارون لماذا كل هذه الأحقاد ولماذا كل هذه الافتراءات؟!! ولماذا كل هذا البغى والعدوان؟!! ونقول للطغاة: لماذا تخربون بلادنا وتهدمون مساجدنا وتعتدون على قرآننا وتكذبون رسولنا؟!! ونقول لكم ما قاله الحق تبارك وتعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ وبِئْسَ المِهَادُ}(آل عمران: 12)، ولقد نظر العلماء والدعاة والمفكرون فى أى سبب يُوجب هذا العدوان، فلم يجدوا إلا الحقد والبغى والعدوان وشياطين الإنس والجن التى تعمل ليل نهار لإثارة الفوضى وتدمير الحضارة والافتراء على الحق. يقول الإمام الشهيد حسَن البنَّا عليه الرضوان: "إن المفكرين من المسلمين ينظرون ويرقبون ويوازنون ويرجعون إلى ما بين أيديهم من كتاب ربهم وهو مشرق، ومن سنَّة رسولهم وهى بيِّنة، ومن تاريخهم وهو مجيد، فلا يرون لنظام من هذه النظم حسنة من الحسنات إلا وجدوا أنها مقررة فى نظامهم الإسلامى الاجتماعى، وأنهم سبقوا إليها فتحدثوا عنها أو عملوا بها، ولا يرون من هذه النظم سيئة من السيئات إلا وجدوا بأن نظامهم الإسلامى الاجتماعى قد حذَّر منها واحتاط لها، ووصف طريق الوقاية من نتائجها وآثارها". والأمر العجيب فى عمق السلام بين المسلمين، فالمولى تبارك وتعالى اسمه السلام: {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر: 23). والجنة والنار هى دار السلام {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 127). وتحية المسلمين يوم يلقون ربهم هى السلام: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} (الأحزاب: 44). وتحية أهل الجنة هى السلام: {والْملَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 23، 24). أيها المسلمون.. أيها الناس أجمعون.. ندعوكم بكل صدق وإخلاص أن تعودوا جميعاً إلى ربكم، وأن تحسنوا العودة وتصدقوا فى النية فليس فى البشرية كلها إلا هذا الطريق. من سلكه فقد فاز ومن حاد عنه فقد ضلَّ وهلك ولا يلومنَّ إلا نفسه، وإنها لجنة أبدا أو نار أبدا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1). فالموقف جدّ خطير والحساب عند الله تعالى عسير، وأمانة الله غالية فهلمُّوا جميعا وتعلقوا بأستار القافلة تفوزوا وتنجحوا. أيها المسلمون.. أيها الناس.. كونوا مع الذين قال الله عز وجل فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج: 41). حكِّمُوا النظام الربانى الخالد فى حياتكم كلها تفوزوا. أيها المسلمون.. كونوا مع الذين قال الله سبحانه فيهم: {إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللهَ ويَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} (النور: 51، 52). أفيقوا أيها الناس.. واستمعوا جيدا إلى القرآن العظيم حين يقول: {ويَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وبِالرَّسُولِ وأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ومَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وإذَا دُعُوا إلَى اللهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وإن يَكُن لَّهمُ الحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (النور: 47 - 50). ويأمرنا سبحانه وتعالى أمرا جازما بطاعته والنزول على هديه بلا هوادة فيقول: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوْا فَإنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وإن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلا البَلاغُ المُبِينُ} (النور: 54). ونختم بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26). والله أكبر ولله الحمد ----------------- فضيلة الشيخ/ محمد عبدالله الخطيب من علماء الأزهر الشريف والعضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين