صور جديدة تضاف إلى ألبوم ضمائرنا، صور لضحايا جدد أطفال وشيوخ ونساء، ومجاهدين ضحوا بالغالى والنفيس فى حياتهم، ثم مضوا ولم يبق لنا منهم سوى صورهم؛ صورة لطفلة استشهدت بعدما ماتت محروقة جراء غارة يهودية، صورة لمجاهد قسامى لم يتبق شىء من وجهه. كل تلك الصورة رأيناها ورآها أطفالنا فى بيوتنا كلنا، ولكن ماذا بعد رؤية أطفالنا لتلك الصور والمشاهد؟.. تبدأ الحكاية عندنا من الوالدين، يجب أن تعيد تلك الصور ترتيب أذهاننا بشكل سليم، لكى نعمل على إعادة رسم الصورة الذهنية لأطفالنا حول طبيعة الصراع، وحقيقة ما يحدث فى فلسطين الحرة، فليس ما يحدث على أرض فلسطين مجرد حرب على أرض اغتصبها مجموعة من المحتلين، ولكنه صراع قوامه الأساسى الدين، وكذلك هو صراع فكرى حول هوية أمة يراد لها الاندثار، أو الإبقاء عليها كما هى بلا حراك. إذا ما وعينا نحن الكبار تلك الحقيقة فنستطيع زرع ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر فى نفوس أطفالنا، ليشبوا لديهم هوية يعصى تدميرها أو تغييرها على مر الزمان، ولكن لغرس تلك الهوية وجعلها كالبصمة لا تنزع ولا تتغير يجب علينا القيام بعدة مهام ضرورية: أولا: يجب علينا استيعاب فكرة عدم تقبل أطفالنا لتلك الصور البشعة لضحايا العدوان على غزة، فقد يشعر الطفل بنوع من الخوف أو القلق وهو شعور طبيعى فى تلك الحالات، فإذا نقل الوالدان للطفل أن الشعور هذا طبيعى فسوف يجعل الطفل يتقبل الأمر ويتعامل معه بشكل إيجابى، فليحاول الوالدين تقبل خوف الطفل، وأن يُظهرا التعاطف أمامه لما يحدث. كذلك على الوالدين ترك الطفل يعبر عن مشاعره، وأن يساعداه على وصف تلك المشاعر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فلا يقولا له حين خوفه (لا تخف..لا تكن جبانًا) فذلك يؤثر فيه سلبًا. ثانيا: أن ما حدث مع الطفل يعد فرصة مواتية يجب استغلالها من قبل الوالدين واستثمارها فى تحويل طاقاته ومشاعره لشىء إيجابى، فالأطفال أكثر تأثرا وتعاطفا منا نحن الكبار، لذا يتحركون سريعًا ويتفاعلون مع الحدث، فعلى الوالدين تدعيم ما يقوم به الطفل، وحثه مثلا على جمع تبرعات أو عمل حملة للدعاء من أجل أطفال غزة أو ما نحوه من مساهمات تفيد فى تقليل حجم المعاناة التى يلاقيها إخواننا فى غزة. وبمناسبة الدعاء حكت لى إحدى الأمهات عما حدث مع طفلتها الصغيرة بعد ما شاهدته من دمار وقتل لأطفال غزة قائلة لى: (أُهدى لنا زجاجة من زمزم، فحكيت لابنتى الصغيرة كيف أن الدعاء عند شرب ماء زمزم مستجاب، فقلت لها فكرى فى دعاء ليستجيبه منكِ الله؛ ثم اشربى الماء وادعى، فكانت تأتى لى وتقول نفسى فى بيت كبير، نفسى فى عرائس، نفسى فى حلوى أكثر وأكثر، حتى رأت الدمار والخراب فى غزة، وخرجت لتعلب مع صديقاتها فى الخارج ومعها الماء الذى من زمزم، وما هى إلا دقائق حتى وجدتها ترفع يدها بالدعاء: يا رب انصر فلسطين، يا رب انصر غزة، يا رب القدس يرجع للمسلمين ثانية، وجميع الأطفال يرددون وراءها، ثم أخذ كل منهم يشرب من ماء زمزم!). لذا أؤكد أن هذه فرصة لكل والدين لفتح حوار مع أطفالهم حول اليهود وأفعالهم، وطبيعة الصراع الدائر بيننا وبينهم، وبخيانتهم الدائمة ودمويتهم، على أن يكون ذلك وفقا لما تطيقه عقول أطفالنا وسنهم، وكذلك هى فرصة لغرس قيم الجهاد وإعلائها فى نفوس أطفالنا، وحقيقة الشهادة فى سبيل الله، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وذكر ما أعده الله لهم من نعيم مقيم. وأخيرا من المهم جدًا أن يعمل الوالدان على أن يدرك الطفل أن ما به أطفال غزة وأهلها جميعًا ليس كله شر، بل إن ما هم فيه من بلاء إنما هو محبة من الله لهم واختبار لرفع درجاتهم، ولينتقى الله منهم شهداء أبرارا يتنعمون بنعيم الجنة وما فيها، كل ذلك إذا صابروا ورابطوا واتقوا الله.