في تحقيق سيسهم في تسليط الضوء على نظام السيسي القمعي، وممارسات سلطة الانقلاب ضد الشعب المصري، ويعطي فرصة للضحايا المصريين لرفع دعاوى مدنية في فرنسا بصفتهم متضررين، والإدلاء بشهادتهم، فتح النائب العام الفرنسي تحقيقا أمس ضد شركات فرنسية باعت أجهزة تجسس للسيسي ليستخدمها ضد المصريين. التحقيق القضائي الذي فتحه النائب العام الفرنسي لقسم الجرائم ضدّ الإنسانيّة، جاء بناء على طلب تقدّمت به الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان، والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان بدعم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويدور حول تورط شركة فرنسية في بيع معدّات تجسس لمصر.
قرار مكتب النّائب العام بباريس فتح تحقيق رسمي حول الواقعة، قد يفضي إلى توجيه تهم التّواطؤ في التّعذيب والاختفاء القسري لكل من شركة أميسيس الفرنسية (غيرت أسمها الي نيكسا تكنولوجي)، والنظام الاستبدادي للسيسي على حد سواء، ويبعث برسالة تحذير قويّة لشركات المراقبة والأسلحة وكذا للسّلطات الفرنسيّة.
وكشف المحامي "باتريك بودوان"، أحد الرؤساء الشرفيين للفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان عن أن الشركات الفرنسيّة تسجّل من خلال بيعها لمعدّات التجسس والأسلحة لمصر والشرق الأوسط أرقام مبيعات غير مسبوقة، وتتواطأ السلطات الفرنسية مع تلك الجرائم بل وتشجعها من خلال توظيف مشتريات تلك الشركات!
وذكر أن الحكومة المصريّة تستخدم تلك المعدّات في تعقب المعارضين، فتسجن وتعذب كلّ من يتجرّأ على المطالبة بالمزيد من الحريّة واحترام سيادة القانون، داعيا لوقف هذه الأعمال الإجراميّة القاتلة.
تواطؤ فرنسي مع إجرام السيسي
واستنكر ميشال طوبيانا، المحامي وأحد الرؤساء الشرفيين للرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان، تواصل بيع معدّات التجسس، وتواطؤ السلطات الفرنسية لعدم مراقبة تصدير المنتجات التي تستخدم في التجسس على مواطني حكومات قمعية عربية ويسهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تترتب على تلك الصفقات.
يقول بهي الدّين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن "السّجون المصريّة تعج حاليّا بأكثر من أربعين ألف سجين سياسي سلميّ، كانوا يومًا نسمة الحياة وأمل الحرية الذي انطلق من ميدان التحرير، وفيما تمعن الشركات الأجنبية في تحقيق الأرباح، تداس التطلّعات الشعبيّة لحياة أفضل تحت أقدام النظام".
وكانت المنظمات الثلاث قد تقدمت في 9 نوفمبر 2017 بشكوى ضد شركة نيكسا تكنولوجي الفرنسية، واضطلاعها في القمع واسع النّطاق في مصر تحت نظام السّيسي من خلال بيعها لتكنولوجيا خاصّة بالتجسس، وذلك على خلفية ما ورد من معلومات في التحقيق الصحفي الذي أعده الصحفي أوليفييه تيسكيتو المنشور في جريدة "تيلي راما" في 5 يوليو 2017.
قرار النائب العام بباريس بفتح التحقيق في هذه الواقعة يعطي فرصة للعديد من الضّحايا المصريّين لرفع دعاوى مدنية بصفتهم مضارين من هذه التقنيات، ويفسح لهم مجال للإدلاء بشهادتهم أمام النائب العام في فرنسا، كما سيمكّن فتح التحقيق في القضية الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان من مباشرة الدّعوى.
وسبق للفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان أن قدما شكوى مماثلة ضد الشركة نفسها في 2011، بشأن بيع تقنيات تجسس مشابهة لنظام معمّر القذّافي في ليبيا، ما مكّن ضحايا نظام القذافي في 2013 من المثول أمام قضاة التّحقيق الفرنسيين للإدلاء بشهادتهم في تلك الواقعة، وفتح تحقيق عن التعذيب هناك. واقرأ أيضًا: فرانس برس: باريس تحقق مع شركة ساعدت الانقلاب على اعتقال المعارضين
اﻹمارات شريك قمع السيسي
وكان التحقيق الذي نشرته مجلة تيليراما Télérama الفرنسية 5 يوليه 2017 أظهر أن الامارات أهدت السيسي نظام للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق «سيريبر» علي المصريين تطوره شركة فرنسية تدعى «آميسيس»، تكلفته 10 ملايين يورو.
وبحسب الصحيفة الفرنسية والفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، "يوفر النظام مراقبة حية للمستهدفين عبر أجهزتهم اﻹلكترونية، باﻹضافة إلى تخزين البيانات الوصفية لهذه النشاطات بما يسمح بمعرفة أي اﻷجهزة اتصل بأي المواقع اﻹلكترونية، بجانب تعقب المكالمات التليفونية والبريد اﻹلكتروني والرسائل النصية وغرف المحادثات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي"!!.
ويسعي السيسي ونظام الامارات الداعم له منذ انقلاب 3 يوليه 2013 وتدبير عشرات المجازر ضد المعارضين لمراقبة لصيقة لكل المصريين الساخطين على حكمه، خاصة بعدما انضمت اعداد أكبر من المصريين لمعارضته واتهامه بالفشل ما دعا الامارات لمده بنظم مراقبة حديثة للشعب.
ومنذ استلاؤه على السلطة اوعز لداخلية الانقلاب بشن حملة شرسة ضد المعارضين ومراقبة اتصالات ومواقع فيس بوك عبر اجهزة تم شراؤها خصيصا للداخلية لتتبع أي معارضة على مواقع التواصل التي كان لها دورا في ثورة يناير 2011، كما اوعز لبرلمان الانقلاب بإصدار عدة تشريعات لتقييد حرية الانترنت.
وبدأت مؤخرا حملة اخري لحجب مواقع الاخبار المستقلة التي لا تتقيد بتعليمات النظام وبلغ عدد المواقع المحجوبة حتى الان قرابة 500 موقع ووصل الامر لمحاولة السيطرة على انظمة تفك حجب المواقع أو تمنع النظام من التنصت على الانترنت.
المخابرات الحربية وسيط
وكشفت مجلة تيليراما عن أن عقد منظومة المراقبة الجديدة جري ابرامه بواسطة المخابرات الحربية المصرية وتم توصيل النظام لها، وذلك عبر شركتين وسيطتين أسسهما رئيس الشركة الفرنسية، اﻷولى فرنسية تدعى Nexa، والثانية شركة «أنظمة الشرق اﻷوسط المتقدمة»، التي تعمل من دبي.
ونقلت المجلة الفرنسية عن مصدر، لم تذكر اسمه أن مراكز البيانات لنظام التجسس الجديد "لم تُفعل حتى الآن، ومن المتوقع أن يحدث ذلك بنهاية العام الحالي 2017، بشكل سيُسهل من عمليات تحليل وأرشفة البيانات".
عقد يخالف القوانين الفرنسية
وتقول المجلة الفرنسية والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في باريس أن العقد الذي ابرمته الشركة الاماراتية لتوريد اجهزة تجسس لمصر مخالف للقانون الفرنسي الذي يمنع تصدير هذه الاجهزة لأنظمة قمعية تقتل شعوبها وتحد من حريتهم.
وأضافت أن الشركة الفرنسية ذاتها تورطت في فضيحة تصدير أنظمة مراقبة مماثلة لنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ساعدت في استهداف معارضيه.
وبحسب القانون الفرنسي، يتطلب تصدير أنظمة مراقبة مماثلة تصريحًا من هيئة عليا تشرف على تصدير المنتجات ذات الحدين، أي التي يمكن إساءة استخدامها بشكل مخالف للقانون، وتتنوع من مواد كيميائية إلى وحدات طاقة نووية.
وسبق أن طالب البرلمان اﻷوروبي الدول اﻷعضاء فيه ثلاث مرات خلال اﻷعوام اﻷربعة الماضية بتعليق صادراتها من منتجاتها إلى مصر، بسبب تصاعد انتهاكات حقوق اﻹنسان.
وكان آخر هذه المرات عقب مقتل الباحث اﻹيطالي جوليو ريجيني العام الماضي بعد اختفائه يوم الذكرى الخامسة للثورة في 25 يناير 2016.
ودعت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان الحكومة الفرنسية بالتحرك الفوري لوقف تصدير المعدات الرقابية للحكومة المصرية، التي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان وبحق كل صوت معارض.
وطالبتا في بيان سابق السلطات القضائية المختصة بتوسيع التحقيق الجاري حاليا بشأن تصدير المعدات الرقابية إلى ليبيا ليشمل الدعم المماثل المقدم للنظام المصري.
وقالا إن "المعلومات المنشورة في تحقيق لقناة "تليراما"، حول بيع منظومة رقابية مماثلة لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر ب "مباركة" من السلطات الفرنسية المختصة "تمثل فضيحة مدوية جديدة".
واتهما نظام السيسي بأنه "ارتكب انتهاكات غير مسبوقة في جسامتها واتساع نطاقها فمنذ وصول السيسي إلى السلطة، عن طريق انقلاب عسكري في يوليو 2013، والتقارير تتوالى عن أعمال تعذيب واختفاءات قسرية واحتجازات تعسفية وإعدامات خارج إجراءات القضاء"
كما اتهمت المنظمتان السيسي بإعدام أبرياء بالمئات، واعتقال عشرات الآلاف باسم مكافحة الإرهاب، واستهداف الصحفيين وجمعيات المجتمع المدني باستخدام قانون خانق للحريات صدر في مارس 2017.