يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نحو تحقيق هدفين كبيرين في الإقليم المضطرب: الأول نقل وراثة العرش السعودي من فروع الملك عبدالعزيز وحصره في نسل الملك سلمان، والثاني تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وضرب أذرعه العسكرية، سواء كان حزب الله في لبنان أو جماعة الحوثي في اليمن. ولكي يحقق "ابن سلمان" هذين الهدفين الكبيرين؛ أبرم صفقة كبيرة أبريل الماضي 2017 خلال زيارته للولايات المتحدةالأمريكية بشراء صفقة سلاح أمريكي تصل إلى 460 مليار دولار، إضافة إلى دور سعودي مطلوب في تهيئة الإقليم لإنجاح تصورات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحل الصراع العربي الإسرائيلي بما يخدم التصورات الأمريكية في المنطقة.
وبعد هذه الصفقة المشبوهة التي وصفها البعض بأنها أكبر "جزية" يدفعها العرب للأمريكان عن يد وهم صاغرون؛ تعرضت المنطقة لعدة تطورات مخيفة وسريعة ومتلاحقة، كان أولها لقاء ترامب بزعماء عرب في الرياض 21 مايو 2017، ثم فرض السعودية حصارًا شاملاً على قطر الشقيقة.
وشن حملة اعتقالات جائرة بحق علماء ودعاة إسلاميين معتدلين، ثم امتدت هذه الحملة لتضمن مئات الأمراء من الأسرة المالكة، ومصادرة مئات المليارات من الدولارات، تزامن ذلك مع توجهات سعودية نحو علمنة المجتمع السعودي وإطلاق يد هيئة الترفيه على حساب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، يتزامن مع ذلك تدخلات سعودية سافرة في شئون اليمن ولبنانوفلسطين.
ومنذ اليوم الأول لفوزه بالرئاسة، تفاخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، زاعمًا أنه قادر على فعل ما لم يفعله أي رئيس أمريكي، واصفًا إياها ب"الصفقة النهائية" أو "صفقة القرن"، وحتى اليوم عُرِفَ عن ترامب بين أغلب الناس، أنه متبجح فارغ، وأن تفاخره غالبًا لا يمت للواقع بأي صلة، وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نشرت تقريرًا منتصف نوفمبر الجاري، نقلت فيه عن وسائل إعلام إسرائيلية أن مشروع ترامب قد بدأ في التشكل بالفعل.
لكن الأكثر خطورة أن ترامب يستخدم النفوذ السعودي في تمرير ما لا يمكن تمريره، ويقايض ولي العهد السعودي على ضمان جلوسه على العرش والتصدي للأطماع الإيرانية، مقابل تصفية القضية الفلسطينية بما يتوافق مع التصورات الأمريكية شديدة الانحياز للكيان الصهيوني.
ووفقًا لمصادر إعلامية غربية، فإن ولي العهد السعودي مارس ضغوطًا شديدة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن خلال زيارته التي جرت الشهر الماضي بالرياض.
وبدا أن أبو مازن يلمح إلى أن الصفقة المعروضة أقل من أن يقبل بها أي فلسطيني، ولا يملك السعوديون أي شيء سوى أن يخبروه أنه إذا رفض الصفقة فسيجعلون حياته جحيمًا حيًا.
وفي هذه الحالة يجب أن يستقيل، وفي الواقع، وفقًا لمقال للجزيرة، لم يكن هناك سوى دحلان الذي صادفت دعوته إلى الرياض في نفس الوقت الذي كان فيه عباس هناك. كانت الرسالة السعودية إلى عباس واضحة "إذا لم نتمكن من جعلك طوع أمرنا، فسنجد من سيفعل".
ووفقًا للباحث الأمريكي في الشئون الإسرائيلية ريتشار سيلفر شتاين، في تحليل نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني بتاريخ 21 نوفمبر الجاري، كانت مصادر المحتويات التفصيلية لمشروع ترامب، غامضة، على الرغم من أن هناك سمة واحدة مشتركة بين كل التقارير، وهي أن الولاياتالمتحدة ستعترف بدولة فلسطينية كجزء من الصفقة كاملة.
ووفقًا للباحث الأمريكي فإن خطة ترامب لا تقدم غير شرعنة للاستيطان وتنازل من قبل الفلسطينيين عن كامل سيادتهم، في سبيل دولة فلسطينية هشة، وبعض المساعدات الاقتصادية السعودية.
وبحسب سيلفر شتاين، فإن الخطوط العريضة لما ستنطوي عليه صفقة "ترامب" فستكون الشروط مناسبة لإسرائيل للغاية كما ستكون مجحفة للفلسطينيين. وقد يخفف من إصرار هذا الأخير على رفض الصفقة ببساطة الضغط القوي من الملك السعودي عليه لقبولها.
ويضيف الباحث الأمريكي أنه من الصعب أن نصدق أن «كوشنر» و«فريدمان» وشركاءهما سيتوصلون إلى اتفاق قابل للتطبيق، لأن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في هذه المرحلة أمر مستحيل دون تنازلات إسرائيلية هائلة (الرجوع 40 عامًا إلى الوراء) وهذه الحكومة الإسرائيلية لن تفعل هذا.
مراقبون للشرق الأوسط أشاروا لعاملٍ آخر على المدى البعيد يحفزهم لإنجاز الاتفاق المجحف للفلسطينيين، وهو «إيران». فكلٍ من إسرائيل والسعوديين يرون في إيران عقبة هائلة أكثر صعوبة من الفلسطينيين. ويعتقدون أنه إذا ما تمكنوا من حل المشكلة الأصغر (فلسطين)، فإن العالم سينظر بإيجابية أكثر إلى نهجهم العدواني في مواجهة إيران وحزب الله.
وعلّق دبلوماسي غربي - طلب عدم ذكر اسمه بحسب تقرير ميدل إيست آي - قائلًا إن "العرب والإسرائيليين يواجهون عدوّين هما إيران والإرهاب، ويجب أن يتحالفوا لمواجهتهما".
وأضاف: "لكن هذا التحالف لا يمكن أن ينشأ دون حل القضية الفلسطينية، حيث لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تعمل بشكل علني مع إسرائيل في مواجهة إيران قبل حل القضية الفلسطينية وأن يكون الفلسطينيون أنفسهم متورطين مباشرة في هذا التحالف".
وبحسب مراقبين فإن الحصار الشديد الذي فرض على غزة والضغوط الرهيبة التي مروست على حركة حماس والمصالحة مع فتح ، إنما تأتي في سياق هذا السيناريو المخيف الذي تلعب فيه الإدارة السعودية دورًا شديد القذارة يجعلنا نتحسر على بلاد الحرمين التي كانت يوما طوال تاريخا عونا للمسلمين على أعدائهم فباتت تحت إدارة "ابن سلمان" عونًا للأعداء على العرب والمسلمين.