فتحي عبد الستار [email protected] تُعد الأخطاء الفردية والهفوات التى تقع من بعض من عُرف عنهم التدين، من أوسع الأبواب التى يتسلل منها أعداء المشروع الإسلامى وكارهو أتباعه والمنادين به، خاصة إن كان من يقع منهم الخطأ ممن يلتزمون بالهدى الظاهر، أو من الشخصيات العامة؛ فحينها تتهاوشهم الانتقادات، وتُتَصيد منهم الهفوات، ويشهَّر بهم بلا رحمة ولا هوادة. وإن كنتُ أرى أننا معشر من نحسب أنفسنا "متدينين"، يجب علينا احترام ما يظهر منا للناس وما يعرفوننا به، بألا نضع أنفسنا موضع الشبهات، فضلاً عن أن نقع فى الحرام أو ما يخرم المروءة؛ إلا أنه يجب أن يعلم الآخرون أننا وإن كنا كذلك، فلا يجب أن يسقطوا عن "المتدين" صفة البشرية وجواز وقوع الخطأ منه، صغيرا وكبيرا، وكذلك المتدين نفسه لا يجب أن يعتقد فى نفسه أنه فوق الخطأ وعصىّ عن الهفوات والزلات، ويحمل نفسه أعباء نفسية وضغوطا فوق طاقة البشر، إلا أنه يجب عليه أن يعترف بالخطأ إن وقع فيه، ويعتذر عنه، ولا يجهد نفسه فى تدبيج التبريرات. إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهم أفضل جيل شهدته الأرض- وقعت من بعضهم الصغائر والكبائر؛ فمنهم من زنى، ومنهم من سرق، ومنهم من وقع فيما يشبه الخيانة العظمى، إلا أن المجتمع الطاهر النظيف فى وقتها، وكذلك من أتى بعدهم، تعاملوا مع هذه الأخطاء تعاملا راشدا، بوضعها فى مقامها الطبيعى، فلا هم عمموا، ولا هم غمزوا ولمزوا مجتمع المدينة أو جيل الصحابة بأسره، بل إن العلماء أجمعوا على عدالة كل الصحابة. والعدالة كما يراها أهل السنة والجماعة صفة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، وفعل ما هو من صفات أهل العقل الراجح ومن سمات أهل الفضل والخير بحسب عرف البلد والزمن. والعدالة وفق هذا التعريف لا تعنى العصمة بتاتا؛ إذ لا يلزم أن من اتصف بالعدالة أن يكون معصوما؛ فقد يخالف صاحب الصفة صفته أحيانا؛ فلكل جواد كبوة، ولكل سيف نبوة، ولكل عالم هفوة؛ لذا قالوا: إن الشخص العدل هو من كان الغالب عليه فعل الطاعات وترك المعاصى، أو إنه من غلب خيرُه شرَّه. إن هذا المفهوم نرى الكثيرين من جميع الأطراف الآن يتعامون عنه، فيكلفون أنفسهم والناس ما لم يكلفهم به الله، فيقع الحرج الذى ما جاء الإسلام إلا ليرفعه عنا. ولو فطن الناس إلى هذا لما اهتزت ثقتهم بأنفسهم ولا بإخوانهم ولا بمجتمعهم، ما دام الخطأ لا أحد يقر به، وأن المخطئ يأخذ جزاءه على قدر خطئه، دون انتقاص من إنسانيته وبشريته. وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم عندما أقام الحد على رجل وامرأة زنيا ومع ذلك أنكر على من لمزهما، بل وذكرهما بالخير وأثنى على إيمانهما وصدق توبتهما. أين هذا الخُلق القويم والحس الراقى من أصحاب الشاشات والميكروفونات والأقلام، الذين لا تقع أعينهم إلا على القبيح، ويفتشون عن القذى فى أعين الناس، وينسون الجذوع التى فى أعينهم؟!.