عندما أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على كتاب الموطأ للإمام مالك فيكون قانونا عاماً للدولة، ويُلتزم به وتُلغى الآراء والاجتهادات الأخرى، فأبى مالك- رحمه الله – قائلاً: "يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ، وأتوا به من اختلاف الناس فدع الناس، وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم". بمثل هذه الروح نظر سلفنا الصالح إلى التعدد فى الرأى .. فقد وقع الخلاف بين الصحابة فى مواطن كثيرة ومع هذا عاشوا وتعايشوا ، وكان الحب قرينهم، والصف الواحد طريقهم .. ألم يحث خير الورى صلى الله عليه وسلم أصحابه للصلاة فى بنى قريظة، فانقسموا ما بين مصل فى بنى قريظة رغم فوات وقت الصلاة، وما بين مصلٍ فى الطريق خوفاً من فوات الصلاة، وتأتى رحمة البنى صلى الله عليه وسلم مستوعباً كل تعدد فى الرأى وكل اجتهاد طالما أنه على الحق وبالحق، وطالما أنه يملك الدليل، وطالما أن النوايا صادقة والقلوب صافية والوصول للحق هدفٌ للجميع . ألا تتفق معى أن الأمر مفزع ألا يسمع كل منا صاحبه ؟!، أليس مفزعاً أن افترض فى نفسى الصواب وأما غيرى فخطأ لا صواب معه ؟! ، مفزع أن أطالب الجميع بأن يكون خلفى فى صفى وإلا فهم أهل خطأ لا يعرفون للصواب طريق، عشت هذه الفكرة وأزعجتنى وأرهقتنى فقلت سبحان ربى الأعلى أنسينا أن الاختلاف سنة ماضية كائنة موجودة تسير بها السماوت والأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؟!، حقيقة نراها بأعينا كل يوم، لا لا بل كل لحظة فى حياتنا، لا يجتمع الناس على ملبس واحد ولا مشرب واحد ولا بيت واحد ولا قناعة واحدة ، ولا ..... ولا .... وأين ثقافة الاختلاف التى هى من المفترض أن تسير بها حياتنا، للأسف لم نتربى عليها، لم يزرعها الكثير من الآباء فى نفوس فلذات أكبادهم، لم يراها الطفل فى صغره، فشب على أنه الوحيد الذى ما أن يتكلم حتى صمت الجميع . لكم هو ديننا عظيم عندما يدعونا لنتعايش مع من نختلف معه بل نراه يضع الحصانة لمن أخطأ فى اجتهاده: " المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ له أجر"، طالما أنه بذل أقصى ما فى وسعه فى اجتهده وبالطبع بعد أن توفرت فيه شروط الإجتهاد، إنه الأدب مع المجتهد المخطئ فلماذا لا نقبل الرأى الآخر الذى يجتهد أن يكون على صواب مثلك تماماً .. ونرى السيدة عائشة رضى الله عنها تنتقد فتاوى الصحابة وتبدى رأيها فى المسائل، حتى إن الإمام السيوطى فى كتابه عين الإصابة فى استدراكات عائشة على الصحابة، جمع مواقف عائشة رضى الله عنه، التى كانت تخالف فيها آراء كبار من الصحابة كأبى هريرة وابن عباس وغيرهما من الصحابة الكرام . سيدى الكريم علينا أن ننظر إلى أن الاختلاف فى الرأى والتعدد، والتبيان نعمة لا نقمة .. • عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين