أثارت تصريحات أطلقها وزير الاستثمار السوداني، مبارك الفاضل المهدي، عن دعمه علانية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، واتهامه الفلسطينيين ببيع أراضيهم، وأنهم يتفاوضون مع الصهاينة، ما يعني حق كل العرب في التفاوض معهم، تساؤلات حول حقيقة بدء السودان رحلة التطبيع مع الدولة الصهيونية مثل دول الخليج. قبل الإجابة عن السؤال، من المهم إدراك أن من أطلق التصريح هو مبارك الفاضل المهدي، ابن عم رئيس حزب الأمة "الصادق المهدي"، وله حزب منشق عنه، وأنه تولى وزارة الاستثمار ضمن خطة حكومية لإشراك الأحزاب في حكومة ائتلافية، وأن الرجل له علاقات مع أطراف خليجية، وعلاقات مع حكومة جنوب السودان، ما يعني أن تصريحاته ليست مستغربة. وفي عام 1996، أيّد مبارك الفاضل خريطة تقسيم السودان التي أعدها جون قرنق، وأيّد قصف مصنع الشفاء بواسطة طائرات صهيونية، ووقّع على وثيقة الفجر الجديد في كمبالا، والتي تنص على حق تقرير المصير للمناطق المهمشة، وتم قبوله في المؤتمر الوطني وإدخاله إلى الحكومة لإحداث ثغرة في حزب الأمة، ولكن الأمر انقلب عليهم. ومع هذا روّجت صحف عربية وأجنبية لمقولة أن "حكومة" السودان تتجه للتطبيع مع الدولة الصهيونية على غرار ما فعلته حكومة جنوب السودان التي يرتع فيها الجواسيس الصهاينة، ما أثار تساؤلات أخرى حول توقيت تصريح مبارك الفاضل المهدي. ولهذا لاقت الدعوة اهتماما في وسائل الإعلام الإسرائيلية دون صدور أي تعقيب رسمي، وأبرزت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تصريحات الوزير السوداني، قائلة "إن الحديث يدور عن تصريحات غير مسبوقة في دولة لا تعترف بإسرائيل ولا تقيم معها علاقات دبلوماسية". ومع هذا، فقد أعلنت الحكومة السودانية عن أن تصريحات المهدي فردية وغير ملزمة لها، وقالت وكالة أنباء السودان الرسمية (سونا)، إﻥ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺗﺒﺮﺃﺕ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻣﺆﻛﺪة ﺃﻧﻬﺎ "ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺭﺃﻯ ﺷﺨﺼﻰ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺍﻟﻔﺎﺿﻞ ﻭﺗﺨﺼﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺳﻤﻰ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﻼﺩ". أيضا نفى الدكتور محمد مصطفى الضو، عضو البرلمان السوداني، تطبيع بلاده مع الدولة الصهيونية، ووصف من يدعون لهذا بأنهم (الأحزاب العائلية)، في إشارة إلى حزب "الأمة" الذي ينتمي إليه "المهدي" وغيره من الأحزاب. هيئة علماء السودان تدعوه إلى الاستغفار والتوبة وقد أفتت هيئة علماء السودان ببطلان دعوة وزير الاستثمار، نائب رئيس مجلس الوزراء القومي، مبارك الفاضل، للتطبيع مع إسرائيل، ودعت الوزير السوداني إلى الاستغفار والتوبة عن تصريحاته التي دعا عبرها إلى التطبيع مع دولة الاحتلال. وقال رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح: "إن الهيئة بكامل عضويتها أكدت بطلان دعوة السيد مبارك الفاضل، نائب رئيس مجلس الوزراء القومي وزير الاستثمار، للتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، للحفاظ على المصالح القومية للبلاد، على حد تعبيره". وأكد صالح، لوكالة السودان للأنباء، تعارض الدعوة مع ثوابت الأمة الإسلامية ومؤتمر اللاءات الثلاث الذي عقد في الخرطوم عام 1967، وخرج ب"لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف بإسرائيل". وأضاف أن "الدعوة للحفاظ على هذه الروح الرافضة للاعتراف بإسرائيل لا تزال قائمة"، واستدل بعدة آيات تمنع المسلمين من التواصل. "الصادق المهدي" يُدين بل إن الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة وطائفة "الأنصار"، استنكر تصريحات وزير الاستثمار السوداني، قائلا: "ندين بلا تحفظ ما تلفظ به السيد مبارك الفاضل ونستنكره، ونعتقد أن القيمة هي إعطاء فرصة للشعب السوداني للتعبير عن رفضه للتطبيع. وأعلن رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي، عن رفضه القاطع لتصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار مبارك الفاضل للتطبيع مع إسرائيل، ووصف الدعوة بأنها مضادة للمصلحة والثوابت الوطنية. وشدد المهدي- في تصريح صحفي- على موقف السودان الثابت تجاه القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن الخلاف مع إسرائيل مصيري، ولن يكون هناك تطبيع معها قبل رد الحقوق لأصحابها، حسب القرارات الدولية العالقة. "حماس" تنتقد وقد انتقدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشدة تصريحات "المهدي"، معبرة عن أسفها "لما صدر عن وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل، من تصريحات تحريضية وعنصرية ضد شعبنا الفلسطيني وضد حماس ومقاومتنا الباسلة". وتابعت، فى بيان لها، "إننا نعتبر هذه التصريحات غريبة عن قيم ومبادئ وأصالة الشعب السوداني المحب لفلسطين والداعم للمقاومة، وهي مستهجنة من سليل عائلة المهدي المجاهدة، وخارجة عن أعراف أمتنا العربية والإسلامية التي تمثل العمق الاستراتيجي لشعبنا ولقضيتنا العادلة". إسرائيل ترحب ورحبت إسرائيل على الفور بهذه التصريحات، ووضعت "هآرتس" الإسرائيلية تصريحات المهدي في عنوان رئيسي لها. ودعا وزير الاتصالات الإسرائيلي "أيوب قرا"، الوزير "المهدي" إلى زيارة إسرائيل، قائلا: "تسرني استضافته في إسرائيل لدفع العملية السياسية قدما في منطقتنا". وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد سربت أخبارا، قبل شهور، عن رغبة الحكومة السودانية في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وذلك عبر وساطة خليجية. ووصفت صحيفة "هآرتس" العبرية، تصريحات الفاضل بأنها "غير عادية" بالنسبة لوزير كبير في الحكومة السودانية، التي لا تعترف بإسرائيل ولا تقيم علاقات دبلوماسية معها. وقال التلفزيون الإسرائيلي، في تقرير له، إن السؤال المركزي في تصريحات المهدي: هل تعتبر بداية لبناء علاقات وثيقة أو سعي نحو إقرار سلام إسرائيلي– سوداني، أم أنها مجرد تصريحات من مسئول رفيع تعبر عن زلة لسان؟. الخلاصة أن تصريح الوزير السوداني المحسوب على المعارضة العلمانية السودانية، لا يعبر عن رأي الحكومة، وأن إطلاق تصريحه ربما يكون موقفا شخصيا طارئا، وربما يكون مرتبا مع قوى خارجية لإحراج الخرطوم، ضمن محاولات الضغط على كافة الدول العربية للتطبيع مع العدو الصهيوني ضمن صفقة القرن الأمريكية.