ورش عمل تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، خلال العامين الماضيين، مع عدد من علماء السلطة في مختلف البلدان العربية الذين يتمتعون بعلاقات جيدة مع الغرب، وذلك من أجل وضع استراتيجية جديدة للإسلام الوسطي الذي تؤسس له دول الانقلاب على الربيع العربي، وعلى رأسها مصر، من خلال عدد من مشايخ السلطان، وأبرزهم مفتي العسكر علي جمعة، والحبيب بن علي الجفري، بتمويل إماراتي. وكشفت مصادر داخل دار الإفتاء، في تصريحات خاصة ل "الحرية والعدالة"، أن "لوبي جديد" يتم تشكيله بتمويل إماراتي، لإعلان الحرب على التراث الإسلامي وتنقيته من كل الأحاديث والتفاسير التي ترفضها دول أوروبا، وترى فيها باب من أبواب نشر التطرف المزعوم، في الوقت الذي يتزعم هذا اللوبي عضو هية كبار العلماء بالأزهر علي جمعة، ومعه الحبيب بن علي الجفري.
وأكدت المصادر أن استراتيجة هذا اللوبي تعمل على خطين متوازيين، أحدهما جولات مكوكية في دول أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، للسيطرة على كل المراكز الإسلامية، وثانيهما استدعاء عدد من المعادين للفكر الإسلامي أمثال إسلام بحيري، لفتح عدد من الملفات التي يخرج من خلالها لمهاجمة الإسلام بزعم محاربة التطرف وتنقية التراث، ثم عمل مناظرات فكرية مع هذه النوعية من العلمانيين، لتبرئة الإسلام من هذه الأأفكار، وهدمها.
وقالت المصادر، إن هناك اتفاق مؤكد على محاربة الأفكار الإسلامية والمناهج الفقهية المختلفة، من خلال نشر التصوف، الذي يرى فيه الغرب فرصة كبيرة للقضاء على ما يسمونهم ب "الراديكاليين" و "الأصوليين"، موضحة أن الشيعة أيضا تدخل ضمن هذا الإطار، حيث يتلاقي الفكر الصوفي مع أفكار الشيعة، وهو ما تستغل الشيعة من خلاله الفرصة للنفوذ إلى قلب العالم والإسلامي.
وأكدت المصادر أن تمويلا سخيا من دول في أوروبا وبعض دول الخليج، لرعاية آلاف الندوات والمؤتمرات لذلك الهدف، وأصبح هناك الكثير من الباحثين والمؤسسات المتخصصة بدراسة وبحث ما يسمونه ب" الصحوة الإسلامية"، حتى أن هناك زيارات دورية لمشايخ الطرق الصوفية وعدد من مشايخ وزارة الأوقاف والأزهر، برعاية إماراتية، لدول أوروبا، لحضور هذه الندوات، ومحاربة كل التيارات الإسلامية في شتى بقاع الأرض، من خلال نشر الفكر الصوفي.
وأشارت إلى أن الخلاصة المركزية التي تم الوصول لها من خلال اللوبي المصنوع هي ضرورة محاربة المد الإسلامي أو الإسلام السياسي– بتعبيرهم-، من خلال دعم ورعاية اتجاهات إسلامية بديلة أكثر قابلية للتعاون أو التهاون مع المصالح الغربية، والمرشح الوحيد كان التيار الصوفي بتنوعاته وتلوّناته.
ونبهت المصادر على أن توجها إعلاميا في الفترة القادمة على نشر مناقب مشاهير الصوفية، وإعادة تراثهم، في مواجهة فكر الإسلام السلفي الذي يمثله بن تيمية، وغيره.
مؤسسة طابة
ولعل المؤسسة التي قامت بتأسيسها دولة الإمارات والإنفاق على قياداتها الدينية لنشر الفكر الصوفي، هي أبرز عنوان لهذه الحرب المصنوعة برعاية أوروبية وأمريكية، للحرب على الإسلام، بأموال المسلمين.
وهذه المؤسسة تسمى ب "طابة" وهي مؤسسة صوفية مقرها في أبو ظبي بدولة الإمارات، أسسها ويديرها الداعية الصوفي اليمني علي الجفري، والمؤسسة جاءت لتصبغ النشاط السابق لسنوات، للجفري ومن معه، بصبغة رسمية.
وتعرف المؤسسة نفسها في موقعها الإلكتروني بأنها: "مؤسسة طابة هي مؤسسة غير ربحية تسعى إلى تقديم مقترحات وتوصيات لقادة الرأي لاتخاذ نهج حكيم نافع للمجتمع بالإضافة إلى إعداد مشاريع تطبيقية تخدم المثل العليا الخالدة لدين الإسلام وتبرز صورته الحضارية المشرقة؛ ومن خلال ذلك نضع مقاييس جديدة ومعايير قِيَميّة لأنظمة العمل المؤسساتي".
وتعمل المؤسسة تحت قيادة الحبيب بن علي الجفري الذي أصبح له نشاط واسع في الدول العربية، حتى أن السيسي يرى فيه أنه ممثل الإسلام الوسطي الذي يسعى لنشره، وذلك من خلال استقباله في إحدى الندوات الثقافية للقوات المسلحة، وترحيب السيسي به بشكل مبالغ فيه، ورؤية المؤسسة تنص على: "إعداد الدراسات والكوادر والمؤسسات لتطوير خطاب إسلامي واضح وإيصاله للعالم بأسره بطريقة تؤدي للإدراك".
وتحظى المؤسسة باهتمام رسمي من رؤساء وأمراء دول الخليج ومصر، وتتعامل مع قادة الرأي وصناع القرار، وتضم في عضوية المجلس الاستشاري الأعلى أقطاب الصوفية في المنطقة، وعلى رأسهم علي جمعة مفتي العسكر والشيخ الراحل السوري الذي قتل في حادثة اغتيال 2013 محمد البوطي، رئيس قسم العقائد والأديان في كلية الشريعة بجامعة دمشق. ود. عبد الله بن بيّه، رئيس مركز التجديد والترشيد (لندن)، وهو من موريتانيا لكنه مقيم بالسعودية.
ويلاحظ أن هؤلاء هم أعمدة الصوفية في سوريا ومصر والأردن واليمن والسعودية وموريتانيا، ويشير موقع المؤسسة (طابة) إلى أن أعضاء المجلس الاستشاري حصلوا على مراتب متقدمة ضمن الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2011، بحسب تقرير المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بعمان بالتعاون مع مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون.
وقد جاء ترتيب د. علي جمعة رقم 12، ود. البوطي رقم 20، ود. عبد الله بن بيه رقم 31، ثم الحبيب عمر بن حفيظ رقم 37، أما علي الجفري فكان رقم 42 ضمن التقرير.
ومن الشخصيات غير العربية في مؤسسة "طابة": الأمريكي الشيخ جهاد هاشم براون أحد أعضاء مجلس إدارة مؤسسة طابة وكبير أعضاء مجلس الأبحاث في المؤسسة، بعد أن شغل منصب مدير الأبحاث لعدة سنوات في مرحلة التأسيس.
الدور المشبوه
و يتبين وجود توجه سياسي غربي معلن بدعم التصوف كبديل عن الصحوة الإسلامية، وكحليف مضمون الولاء للمصالح الغربية، كما يتبين أن صوفياً نشيطاً وهو علي الجفري قد أقام مؤسسة صوفية تجمع أقطاب التصوف وتسعى للوصول لقادة الرأي وصناع القرار والتأثير فيهم من جهة، وتعمل على بناء كوادر متخصصة لذلك من جهة أخرى.
وتؤكد المصادر وجود علاقات لهذه المؤسسة مباشرة وغير مباشرة مع الغرب والدوائر السياسية فيه تحديداً، من أجل ترسيخ وجهات نظر ومفاهيم تصب في صالح المصالح الغربية، ووجود ممارسات شاذة عن الخط الإسلامي يفرح بها الغرب، و دعم الأنظمة القمعية ضد شعوبها والتيارات الإسلامية، وشرعنة التطبيع السياسي والديني مع إسرائيل.
وأكدت المصادر القريبة من دوائر صنع القرار في الأزهر، أن التوجهات التي توليها الأنظمة العربية بهذه المؤسسة ومشايخها ومن يدور في فلكها، تؤكد أنها أخذت بخيار تفعيل وتسريع الرهان على التصوف في وجه الحركات الإسلامية، وقد تنوعت طرائقهم في ذلك، ففي سوريا الدور المطلوب هو إخماد الثورة، وفي مصر حجز مكان في الساحة السياسية، وفي الأردن محاولة إيجاد منافس لجماعة الإخوان. وأوضحت المصادر أن الرهان على نشر المذهب الصوفي، على رأس أولويات الأنظمة العربية والغربية، من أجل فتح آفاق جديدة مع الكيان الصهيوني، خاصة وأن الصوفية لديها آفاق رحبة في هذه القضية، ولا تجد غضاضة في فتح صفحة مع اليهود.
وكشفت المصادر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقوم برعاية هذه المبادرة والندوات، حتى أن الكونجرس والبنتاجون أصبح منصة رئيسية لعدد من مشايخ هذا التيار، لنشر هذا الفكر، وإزالة كافة العوائق التي تمنع من إقامة علاقات جيدة مع اليهود، فضلا عن أولوية الحرب على ما يسمى بالتطرف، من خلال حصار التيارات الإسلامية السنية، وفي القلب منها، جماعة الإخوان المسلمين.
وأكدت المصادر أن أمريكا ترعى هذه النشاطات المشبوهة للمؤسسة والقائمين عليها، وذلك من خلال رعاية مشاركة الجفري في المؤتمر العالمي للطرق الصوفية، بحضور مندوب أمريكي، وقد شارك في المؤتمر مع الجفري وشيوخ الطرق الصوفية: الأمريكي "داود كيزويت" رئيس اللجنة المغربية الأمريكية للتعاون الثقافي والتربوي السابق.
كما تدعم أمريكا وأوروبا بشكل شخصي علي جمعة وعلي الجفري، وتسمح لهم بإقامة عشرات الندوات والمؤتمرات في قلب أوروبا وأمريكا.
وكأفا كل من علي الجفري وعلي جمعة، هذا الدعم من أمريكا والغرب، بزيارة مدينة القدس في 4/4/2012 دون سابق تمهيد، مما أثار ردود أفعال قوية ضده وضد زيارته، ولذلك كتب الجفري في موقعه يوضح دواعي الزيارة فقال: "عملاً بقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى"؛ وشوقاً إلى القبلة الأولى ومسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ واستجابة لدعوة الشيخ محمّد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية، المسلمين لزيارة المسجد الأقصى نصرة له ودفاعاً عن قضيته وتأييداً لأهله المرابطين في وجه غطرسة الصهاينة وانتهاكاتهم ومخططاتهم لتهويد القدس وطمس هويّتها العربية الإسلامية، فقد شاورت بعض كبار علماء الأمة واستخرت الله تعالى في شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى فانشرح الصدر لذلك وتيسّرت أسبابه".
ولم تكد تفيق الأمة من الصدمة حتى رأت علي جمعة، مفتي مصر، يوم 18/4/2012 في القدس أيضاً!!.
ورغم معارضة غالب العلماء من فلسطين وغيرها بل حتى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية هذه الزيارات، وقف يؤيدها فقط مفتي أبو مازن والبوطي قبل رحيله، ليدخل بعدها الأقباط على الخط ويسمح لهم تواضروس بابا الإسكندرية بزيارة القدس والحج إليها، وكسر الحاجز الذي وضعه البابا شنودة لزيارة القدس.
لترحب إسرائيل بزيارة الجفري وعلي جمعة للقدس، في الوقت الذي يمنع فيه الشيخ رائد صلاح من دخولها؟ ويمنع فيه غالب الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن الخمسين؟ وتمنع قوافل المؤيدين لفلسطينوالقدس من نشطاء العالم من تجاوز صالة المطار بتل أبيب.